كتاب الموافقات (اسم الجزء: 4)

الْمُسْلِمُونَ مُوجِبٌ لِتَخْلِيَةِ سَبِيلِهِمْ؛ فَعَمِلُوا عَلَى الْإِحْرَازِ مِنْ عَوَادِي الدُّنْيَا، وَتَرَكُوا الْمَقْصُودَ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ الَّذِي بَيَّنَهُ الْقُرْآنُ مِنَ التَّعَبُّدِ لِلَّهِ وَالْوُقُوفِ عَلَى قَدَمِ الْخِدْمَةِ، فَإِذَا كَانَتِ الصَّلَاةُ تُشْعِرُ بِإِلْزَامِ الشُّكْرِ بِالْخُضُوعِ لِلَّهِ وَالتَّعْظِيمِ لِأَمْرِهِ؛ فَمَنْ دَخَلَهَا عَرِيًّا مِنْ ذَلِكَ كَيْفَ يُعَدُّ مِمَّنْ فَهِمَ بَاطِنَ الْقُرْآنِ؟ وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ لَهُ مَالٌ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ؛ فَوَجَبَ عَلَيْهِ شُكْرُ النِّعْمَةِ بِبَذْلِ الْيَسِيرِ مِنَ الْكَثِيرِ، عَوْدًا1 عَلَيْهِ بِالْمَزِيدِ؛ فَوَهَبَهُ عِنْدَ رَأْسِ الْحَوْلِ فِرَارًا مِنْ أَدَائِهَا لَا قَصْدَ لَهُ إِلَّا ذَلِكَ، كَيْفَ يَكُونُ شَاكِرًا لِلنِّعْمَةِ؟
وَكَذَلِكَ مَنْ يُضَارُّ الزَّوْجَةَ لِتَنْفَكَّ لَهُ مِنَ الْمَهْرِ عَلَى غَيْرِ طِيبِ النَّفْسِ لَا يُعَدُ عَامِلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [الْبَقَرَةِ: 229] حَتَّى يَجْرِيَ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] .
وتجري [ها] هنا مَسَائِلُ الْحِيَلِ أَمْثِلَةٌ لِهَذَا الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ مَنْ فَهِمَ بَاطِنَ مَا خُوطِبَ بِهِ لَمْ يَحْتَلْ عَلَى أَحْكَامِ اللَّهِ حَتَّى يَنَالَ مِنْهَا بِالتَّبْدِيلِ وَالتَّغْيِيرِ، وَمَنْ وَقَفَ مَعَ مُجَرَّدِ الظَّاهِرِ غَيْرَ مُلْتَفِتٍ إِلَى الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ؛ اقْتَحَمَ هَذِهِ الْمَتَاهَاتِ الْبَعِيدَةَ.
وَكَذَلِكَ تَجْرِي مَسَائِلُ الْمُبْتَدَعَةِ أَمْثِلَةً أَيْضًا، وَهُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنَ الْكِتَابِ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ؛ كَمَا قَالَ2 الْخَوَارِجُ لعلي: إنه حكم
__________
1 في "ط": "موعودًا".
2 هو وما يأتي بعد في قوله: "فلو نظر ... إلخ" يساعد على تعيين الجملة الساقطة فيما سبق في المسألة الثانية من مبحث الأحكام. "د".
قلت: أخرج مناظرة ابن عباس -رضي الله عنه- الحرورية فيما أنكروه على عليّ -رضي الله عنه- وفيها ما عند المصنف من قولهم: "إنه حكم الخلق في دين الله"، وكذا قولهم: "إنه محا نفسه ... "، وقولهم لابن عباس أيضًا: "لَا تُنَاظِرُوهُ؛ فَإِنَّهُ مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ ... ": عبد الرزاق في "المصنف" "10/ 157/ رقم 18678"، وأحمد في "المسند" "1/ 342"، والفسوي في =

الصفحة 221