قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أَيُّ فَضِيلَةٍ لِإِبْرَاهِيمَ فِي هَذَا الْقَوْلِ؟ أَمَا يَعْلَمُونَ أَنَّ النَّاسَ فُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ؟ وَهَلْ إِبْرَاهِيمُ فِي لَفْظِ خَلِيلِ اللَّهِ إِلَّا كَمَا قِيلَ: مُوسَى كَلِيمُ اللَّهِ، وَعِيسَى رُوحُ اللَّهِ؟ وَيَشْهَدُ لَهُ الْحَدِيثُ: "لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، إِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ" 1، وَهَؤُلَاءِ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ هُمُ النَّابِذُونَ لِلْمَنْقُولَاتِ اتِّبَاعًا لِلرَّأْيِ، وَقَدْ أَدَّاهُمْ ذَلِكَ إِلَى تَحْرِيفِ كَلَامِ اللَّهِ بِمَا لَا يَشْهَدُ لِلَفْظِهِ عَرَبِيٌّ وَلَا لِمَعْنَاهُ بِرِهَانٌ كَمَا رَأَيْتَ، وَإِنَّمَا أَكْثَرْتُ2 مِنَ الْأَمْثِلَةِ وَإِنْ كَانَتْ مِنَ الْخُرُوجِ عَنْ مَقْصُودِ الْعَرَبِيَّةِ، وَالْمَعْنَى عَلَى مَا عَلِمْتَ لِتَكُونَ تَنْبِيهًا عَلَى مَا وَرَاءَهَا مِمَّا هُوَ مِثْلُهَا أَوْ قَرِيبٌ مِنْهَا.
فَصْلٌ:
وَكَوْنُ الْبَاطِنِ هُوَ الْمُرَادُ مِنَ الْخِطَابِ قَدْ ظَهَرَ أَيْضًا مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا، وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ فِيهِ شَرْطَانِ:
__________
1 أخرجه مسلم في "صحيحه" "كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر الصديق، 4/ 1855/ رقم 2383" والترمذي في "الجامع" "كتاب المناقب، باب مناقب أبي بكر الصديق, رضي الله عنه، 5/ 606/ رقم 3655"، والنسائي في "فضائل الصحابة" "رقم 4"، وابن ماجه في "السنن" "المقدمة، باب في فضائل أصحاب رسول الله, صلى الله عليه وسلم 1/ 36/ رقم 93"، وأحمد في "المسند" "1/ 377، 389، 408، 409، 412، 433، 434، 437، 455"، و"الفضائل" "رقم 155، 156، 157، 158، 159، 160" عن ابن مسعود -رضي الله عنه- مرفوعًا، دون لفظة "غير ربي".
وأخرجه بها البخاري في "صحيحه" "كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي, صلى الله عليه وسلم: "سدوا الأبواب ... "، 7/ 12/ رقم 3654"، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- وهو في "صحيح مسلم" "رقم 2382" من حديثه دون اللفظة المذكورة.
وقال الفيروزآبادي في "البصائر" "2/ 558" عقبه وعقب حديث آخر نصه: "إن الله تعالى اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا". قال: "والحديثان في "الصحيحين"، وهما يبطلان قول من قال: الخلة لإبراهيم والمحبة لمحمد -عليه السلام- فإبراهيم خليله ومحمد حبيبه".
2 في "ط": "أكثر".