كتاب الموافقات (اسم الجزء: 4)

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَصِحَّ عَلَى مُقْتَضَى الظَّاهِرِ الْمُقَرَّرِ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ، وَيَجْرِي1 عَلَى الْمَقَاصِدِ الْعَرَبِيَّةِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لَهُ شَاهِدٌ نَصًّا أَوْ ظَاهِرًا فِي مَحَلٍّ آخَرَ يَشْهَدُ لِصِحَّتِهِ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ.
فَأَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَظَاهِرٌ مِنْ قَاعِدَةٍ كون الْقُرْآنَ عَرَبِيًّا؛ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ فَهْمٌ لَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْعَرَبِ؛ لَمْ يُوصَفْ بِكَوْنِهِ عَرَبِيًّا بِإِطْلَاقٍ، وَلِأَنَّهُ مَفْهُومٌ يُلْصَقُ بِالْقُرْآنِ لَيْسَ فِي أَلْفَاظِهِ وَلَا فِي مَعَانِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ أَصْلًا؛ إِذْ لَيْسَتْ نِسْبَتُهُ إِلَيْهِ عَلَى أَنَّ2 مَدْلُولَهُ أَوْلَى مِنْ نِسْبَةِ ضِدِّهِ إِلَيْهِ، وَلَا مُرَجِّحَ يَدُلُّ عَلَى أَحَدِهِمَا؛ فَإِثْبَاتُ أَحَدِهِمَا تَحَكُّمٌ وَتَقَوُّلٌ عَلَى الْقُرْآنِ ظَاهِرٌ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَدْخُلُ قَائِلُهُ تَحْتَ إِثْمِ مَنْ قَالَ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَالْأَدِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي أَنَّ الْقُرْآنَ عَرَبِيٌّ جَارِيَةٌ هُنَا.
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ3 إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَاهِدٌ فِي مَحَلٍّ آخَرَ أَوْ كَانَ لَهُ مُعَارِضٌ صَارَ مِنْ جُمْلَةِ الدَّعَاوَى الَّتِي تُدَّعَى عَلَى الْقُرْآنِ، وَالدَّعْوَى الْمُجَرَّدَةُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ.
وَبِهَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ يَتَبَيَّنُ صِحَّةُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ الْبَاطِنُ؛ لِأَنَّهُمَا مُوَفَّرَانِ فِيهِ، بِخِلَافِ مَا فَسَّرَ بِهِ الْبَاطِنِيَّةُ4؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عِلْمِ الْبَاطِنِ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عِلْمِ الظَّاهِرِ؛ فَقَدْ قَالُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} [النمل: 16] : إنه
__________
1 أي: بحيث يجري ... إلخ. "د".
2 في الأصل و"ط": "أنه".
3 في "ط": "فإنه".
4 انظر عن أشهر تفاسيرهم وأمثلة كبيرة على ضلالاتهم ومناقشتهم في ذلك عند الشيخ محمد الخضر حسين في كتابه "من بلاغة القرآن"، والدكتور عدنان زرزور في كتابه "متشابه القرآن"، والشيخ محمد حسين الذهبي في كتابه "التفسير والمفسرون" "2/ 235 وما بعدها".

الصفحة 232