{وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ} الآية [البقرة: 284] ، دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْهُ شَيْءٌ [لَمْ يَدْخُلْ مِنْ1 شَيْءٍ] ، فَقَالُوا لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "قُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا". فَأَلْقَى اللَّهُ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} الْآيَةَ، {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [الْبَقَرَةِ: 286] . قَالَ: "قَدْ فَعَلْتُ". {رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [الْبَقَرَةِ: 286] . قَالَ: "قَدْ فَعَلْتُ" الْحَدِيثَ2 إِلَخْ، فَهِمُوا مِنَ الْآيَةِ الْعُمُومَ، وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَزَلَ بَعْدَهَا: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [الْبَقَرَةِ: 286] عَلَى وَجْهِ النَّسَخِ أَوْ غَيْرِهِ مَعَ قَوْلِهِ3 تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] ، وهي
__________
1 الرواية لمسلم، وأصلها: "دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء"، وفي "تفسير ابن جرير": "لم يدخلها"، وهذه الجملة صفة لشيء، أي: دخل قلوبهم من الآية الكريمة شيء من الفزع والخوف لم يدخلها من أجل شيء آخر من الآيات. "د".
قلت: وفي "م": "مثله شيء"، وما بين المعقوفتين سقط من "ط".
2 أخرجه مسلم في "صحيحه" "كتاب الإيمان، باب بيان أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يطاق، 1/ 116/ رقم 126"، والترمذي في "الجامع" "أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة البقرة، 5/ 221-222/ رقم 2992"، والنسائي في "الكبرى" "كتاب التفسير، 1/ 293-294/ رقم 79"، وأحمد في "المسند" "1/ 233"، والحاكم في "المستدرك" "2/ 286"، وابن حبان في "الصحيح" "11/ 458/ رقم 5069"، وابن جرير في "التفسير" "3/ 95"، والبيهقي في "الأسماء والصفات" "210-211"، والواحدي في "أسباب النزول" "ص67-68"، وابن الجوزي في "نواسخ القرآن" "ص228".
واقتصار المصنف في العزو على النسائي والترمذي وإهماله لمسلم قصور، والله الهادي، وأول الآية سقط من "م".
3 أي: وهو قرينة على أن الله لم يكلف بما يجري في النفس من الخواطر لأنه حرج، ومع أنه يقتضي خلاف ما فهموا؛ فقد كان معولهم على العموم الإفرادي لا الاستعمال الشرعي الذي يمنع من هذا الفهم، وقد أقرهم -صلى الله عليه وسلم- على ما فهموا حتى نزل ما يخصص، وهو {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] ، إلا أن قوله: "على وجه النسخ" من باب تكميل المقام في ذاته؛ لأنه عليه لا بد أن يكون مقصودًا ابتداء ثم نسخ، ويكون فهمهم في محله؛ فيخرج عما نحن فيه، وقوله "أو غيره" بناء على أنه تخصيص كما تقدم للمؤلف الكلام فيه في باب النسخ على اصطلاح المتقدمين، ولو ذكره واقتصر عليه لكان أنسب بالمقام، وهذا كله على بعض التفاسير في آية: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُم} [البقرة: 284] ؛ أي: على أنها راجعة للشهادة وكتمانها؛ فيكون فيه شاهد لما نحن فيه. "د".