كتاب الموافقات (اسم الجزء: 4)

الْقُرْآنِ لَيْسَ فِيهَا مَا هُوَ مُعْتَدٌّ بِهِ فِي حَقِيقَتِهِ مِنَ الْعُمُومِ، وَإِنْ قِيلَ بِأَنَّهُ حُجَّةٌ بَعْدَ التَّخْصِيصِ، وَفِيهِ مَا يَقْتَضِي إِبْطَالَ الْكُلِّيَّاتِ الْقُرْآنِيَّةِ، وَإِسْقَاطَ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ جُمْلَةً؛ إِلَّا بِجِهَةٍ مِنَ التَّسَاهُلِ وَتَحْسِينِ الظَّنِّ، لَا عَلَى تَحْقِيقِ النَّظَرِ وَالْقَطْعِ بِالْحُكْمِ، وَفِي هَذَا إِذَا تُؤُمِّلَ تَوْهِينُ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَتَضْعِيفُ الِاسْتِنَادِ إِلَيْهَا، وَرُبَّمَا نَقَلُوا فِي الْحُجَّةِ لِهَذَا الْمَوْضِعِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ عام إلا مخصص، إلا قوله تعالى: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} 1 [الْبَقَرَةِ: 282] ، وَجَمِيعُ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْعَرَبِ، وَمُخَالِفٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ مِنِ الْقَطْعِ بِعُمُومَاتِهِ الَّتِي فَهِمُوهَا تَحْقِيقًا، بِحَسَبِ قَصْدِ الْعَرَبِ فِي اللِّسَانِ، وَبِحَسَبِ قَصْدِ الشَّارِعِ فِي مَوَارِدِ الْأَحْكَامِ.
وَأَيْضًا, فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بُعث بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ2، واختُصر لَهُ الْكَلَامُ اخْتِصَارًا عَلَى وَجْهٍ هُوَ أَبْلَغُ مَا يَكُونُ، وَأَقْرَبُ مَا يُمْكِنُ فِي التَّحْصِيلِ، ورأسُ هَذِهِ الْجَوَامِعِ فِي التَّعْبِيرِ الْعُمُومَاتُ3، فَإِذَا فُرِضَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ في
__________
= مقدار ما تناوله العام؛ فليست مستغنية عن القرائن والمقيدات على ما قاله أيضًا، غايته أنه لا يسميه تخصيصًا بل بيانًا لا بد منه، وهلا قال في الفائدة الثانية وبذلك أيضًا انحسمت مادة الشناعة الناشئة من وجود خلاف في حجية العام المخصص؛ لأنه مهما كان الخلاف ضعيفًا فإن هذا النزاع يوهن الاستدلال بهذه العمومات وهي معتمد الشريعة، ويجعل الأخذ بها من طريق تحسين الظن، لا من باب تحقيق النظر والقطع بالحكم، وتبنى الفائدة الثالثة عليه أيضًا؛ لأن العمومات إنما تكون جوامع إذا كان معناها محددًا محررًا، وهو إنما يكون كذلك إذا كان اللفظ فيه حقيقة، لا مجازًا محتملًا كما تقدم بيانه عند من يذهب إلى أنه ليس بحجة لإجماله في المراتب التي يحتملها المجاز. "د".
1 مضى "3/ 309" بنحوه، وهو مما لا يصح عنه ألبتة.
2 أخرج البخاري في "صحيحه" "كتاب الجهاد، باب قول النبي, صلى الله عليه وسلم: "نُصرت بالرعب مسيرة شهر"، 6/ 128/ رقم 2977" وغيره عن أبي هريرة مرفوعًا: "بُعِثتُ بجوامع الكلم، ونُصرت بالرعب؛ فبينما أنا نائم أوتيتُ خزائن الأرض ... ".
3 انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية" "4/ 133 و34/ 206-207".

الصفحة 48