كتاب الموافقات (اسم الجزء: 4)

وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي:
إِذَا أَخْطَأَ الْحَاكِمُ فِي الْحُكْمِ1، فَسَلَّمَ الْمَالَ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ، أَوِ الزَّوْجَةَ إِلَى غَيْرِ زَوْجِهَا، أَوْ أَدَّبَ مَنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ تَأْدِيبًا وَتَرَكَ مَنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا لَهُ، أَوْ قَتَلَ نَفْسًا بَرِيئَةً إِمَّا لِخَطَأٍ فِي دَلِيلٍ أَوْ فِي الشُّهُودِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ؛ فَقَدْ قَالَ2 تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} الْآيَةَ [الْمَائِدَةِ: 49] .
وَقَالَ: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطَّلَاقِ: 2] .
فَإِذَا أَخْطَأَ فَحَكَمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّهُ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ؟ أَوْ أَشْهَدَ ذَوَيْ زُورٍ؛ فَهَلْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ مَأْمُورٌ3 بِقَبُولِهِمْ وَبِإِشْهَادِهِمْ؟ هَذَا لا يسوغ
__________
1 قال ابن العربي في "القبس" "3/ 878": فإن أخطأ القاضي -وهي مسألة عظيمة- فإن ذلك لا يلزمه ضمانًا، ولا يوجب عليه ملامًا، والأصل في ذلك أن خالد بن الوليد لما أخطأ في بني جذيمة لم يعلق به النبي -صلى الله عليه وسلم- شيئًا، اللهم إلا أنه قال: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد".
أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب الأحكام، باب إذا قضى الحاكم بجور أو خلاف أهل العلم فهو رد، 9/ 91"، ثم قال: "والمعنى يعضده، فإن القاضي لو نظر بشرط سلامة العاقبة وهو لا يعول على النص، إنما بنى حكمه على الاجتهاد، لكان ذلك باطلًا من وجهين، أحدهما أنه يكون تكليف ما لا يطاق، الثاني أنه يكون تنفيرًا للخلق عن الولاة؛ فتتعطل الأحكام".
وانظر: "قواعد الأحكام" "1/ 90 و2/ 165"، و"الأصول والضوابط من التحرير" "ص356-357 و419-420"، و"المبسوط" "9/ 64 و25/ 132"، و"بدائع الصنائع" "7/ 16"، و"شرح السير الكبير" "3/ 869"، و"تبيين الحقائق" "4/ 204-205".
2 أي: فهو مما ظهرت علة تحريمه بنص. "د".
3 يريد: بل هو منهي عن ذلك، ولم لا يقال: إنه مأمور به في نظر المكلف وفي اجتهاده هو، وهو لا يكلف إلا بهذا القدر لا أنه مأمور به على التحقيق، ولهذا توجه الأمر الجديد بتلافي ما أفسده كما سيشير إليه بعد: "وقوله: لا فرق بين أمر وأمر ... إلخ" الفرق ظاهر يقتضيه نفس بناء الأحكام على المصالح؛ فإن التكليف للفاعل وللحاكم، إنما هو يطيقه ويظنه صوابًا، فإذا ظهر الخطأ في ظنه؛ فترتب عليه فساد أو ظلم للغير ورد تكليف جديد بإزالة الظلم، وهذا من لوازم مراعاة المصالح وبناء الأحكام عليها، فإذا جرينا على أن هذا من مرتبة العفو أو أنه لا يلزم لله في كل واقعة حكم؛ كان الأمر أشد وضوحًا. "د".

الصفحة 55