كتاب الموافقات (اسم الجزء: 4)

لَيْسَ بِمَعْصُومٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ؟ فَهُوَ أَوْلَى بِأَنْ يُبَيِّنَ قَوْلَهُ بِفِعْلِهِ، وَيُحَافِظَ فِيهِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى كُلِّ مَنِ اقْتَدَى بِهِ.
وَلَا يُقَالُ: إِنِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعْصُومٌ؛ فَلَا يَتَطَرَّقُ إِلَى فِعْلِهِ أَوْ تَرْكِهِ الْمُبَيَّنِ خَلَلٌ، بِخِلَافِ مَنْ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ.
لِأَنَّا نَقُولُ: إِنِ اعْتُبِرَ هَذَا الِاحْتِمَالُ فِي تَرْكِ الِاقْتِدَاءِ بِالْفِعْلِ؛ فَلْيُعْتَبَرْ فِي تَرْكِ اتِّبَاعِ الْقَوْلِ، وَإِذْ ذَاكَ يَقَعُ فِي الرُّتْبَةِ فَسَادٌ لَا يُصْلَحُ، وخرق لا يرقع؛ فلا بد أَنْ يَجْرِيَ الْفِعْلُ مَجْرَى الْقَوْلِ، وَلِهَذَا تُسْتَعْظَمُ شَرْعًا زَلَّةُ الْعَالِمِ، وَتَصِيرُ صَغِيرَتُهُ كَبِيرَةً، مِنْ حَيْثُ كَانَتْ أَقْوَالُهُ وَأَفْعَالُهُ جَارِيَةً فِي الْعَادَةِ عَلَى مَجْرَى الِاقْتِدَاءِ، فَإِذَا زَلَّ؛ حُمِلَتْ زَلَّتُهُ عَنْهُ قَوْلًا كَانَتْ أَوْ فِعْلًا لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ مَنَارًا يُهْتَدَى بِهِ، فَإِنْ عُلِمَ كَوْنُ زَلَّتِهِ زَلَّةً؛ صَغُرَتْ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ وَجَسَرَ عَلَيْهَا النَّاسُ تَأَسِّيًا بِهِ، وَتَوَهَّمُوا1 فِيهَا رُخْصَةً عَلِمَ بِهَا وَلَمْ يَعْلَمُوهَا هُمْ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِهِ، وإن جهل كونها زلة؛
__________
= باب غزوة الفتح في رمضان/ رقم 4279"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر، 2/ 784/ رقم 113" عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج عام الفتح في رمضان، فصام حتى بلغ الكديد، ثم أفطر، وكان صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره.
وما أخرجه مسلم في "صحيحه" "رقم 1114" عن جابر؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان، فصام حتى بلغ كراع الغميم، فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه؛ حتى نظر الناس إليه، ثم شرب. فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام، فقال: "أولئك العصاة، أولئك العصاة".
وما أخرجه أحمد في "المسند" "3/ 21"، وابن حبان في "الصحيح" "رقم 3550، 3556, الإحسان" عن أبي سعيد الخدري؛ قال: قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على نهر من ماء السماء وهو على بغلة له والناس صيام، فقال: اشربوا فجعلوا ينظرون إليه، فقال: "اشربوا؛ فإني راكب وإني أيسركم، وأنتم مشاة"، فجعلوا ينظرون إليه؛ فحول وركه فشرب، وشرب الناس، وإسناده صحيح على شرط مسلم.
1 في "ط": "أو توهموا".

الصفحة 88