كتاب الموافقات (اسم الجزء: 5)

كَرِيمٌ، وَالْعَبْدَ مُحْتَاجٌ فَقِيرٌ، وَإِذَا وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْجَانِبَيْنِ كَانَ الْحَمْلُ عَلَى جَانِبِ الْغَنِيِّ أَوْلَى.
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا مَا تَقَدَّمَ1، وَهُوَ أَيْضًا مؤدٍ إِلَى إِيجَابِ إِسْقَاطِ التَّكْلِيفِ جُمْلَةً؛ فَإِنَّ التَّكَالِيفَ كُلَّهَا شَاقَّةٌ ثَقِيلَةٌ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ تَكْلِيفًا مِنَ الْكُلْفَةِ، وَهِيَ الْمَشَقَّةُ، فَإِذَا كَانَتِ الْمَشَقَّةُ حَيْثُ لَحِقَتْ فِي التَّكْلِيفِ تَقْتَضِي الرَّفْعَ بِهَذِهِ الدَّلَائِلِ؛ لَزِمَ2 ذَلِكَ فِي الطَّهَارَاتِ وَالصَّلَوَاتِ وَالزَّكَوَاتِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يَقِفُ عِنْدَ حَدٍّ إِلَّا إِذَا لَمْ يَبْقَ عَلَى الْعَبْدِ تَكْلِيفٌ، وَهَذَا مُحَالٌ، فَمَا أَدَّى إِلَيْهِ مِثْلُهُ؛ فَإِنَّ رَفْعَ الشَّرِيعَةِ مَعَ فَرْضِ وَضْعِهَا مُحَالٌ، ثُمَّ قَالَ الْمُنْتَصِرُ لِهَذَا الرَّأْيِ3: إِنَّهُ يَرْجِعُ حَاصِلُهُ إِلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَلَاذِ الْإِذْنُ، وَفِي الْمَضَارِّ الْحُرْمَةُ، وَهُوَ أَصْلٌ قَرَّرَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى مَا فِيهِ فِي كِتَابِ الْمَقَاصِدِ4.
وَإِذَا حَكَّمْنَا ذَلِكَ الْأَصْلَ هُنَا؛ لَزِمَ مِنْهُ أَنَّ الْأَصْلَ رَفْعُ التَّكْلِيفِ بَعْدَ وَضْعِهِ عَلَى الْمُكَلَّفِ، وَهَذَا كُلُّهُ إِنَّمَا جَرَّهُ عَدَمُ الِالْتِفَاتِ إِلَى مَا تقدم.
__________
1 وهو أن سماحة الشريعة إنما جاءت مقيدة بما هو جار على أصولها، واتباع هوى النفوس وعدم الرجوع إلى الدليل ينافي أصولها. "د".
2 في الأصل: "فليزم".
3 المصنف ينقل عن "المحصول" "6/ 159-160" والعبارات السابقة مع الأدلة منه، ومراده بكلامه هذا صاحبه الرازي، ويؤكده بقوله: "وهو أصل قرره في موضوع آخر". وتجد ذلك في "المحصول" "6/ 107-108" أيضًا، وسيأتي كلام المصنف في المسألة الرابعة من الطرف الثاني من كتاب الاجتهاد أن الذي ينبغي للمفتي اختيار التوسط.
4 وتقدم في المسألة الثالثة عشر من كتاب الأدلة حيث قال هناك: "إنه تحكيم للهوى على الأدلة حتى تكون الأدلة تابعة لا متبوعة". "د".

الصفحة 105