كتاب الموافقات (اسم الجزء: 5)
مَنْ قَالَ: إِنَّ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ تُجْزِئُ عَنْ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَكَذَلِكَ مَنْ قَامَ إِلَى ثَالِثَةٍ فِي النَّافِلَةِ وَعَقَدَهَا يُضِيفُ إِلَيْهَا رَابِعَةً مُرَاعَاةً لِقَوْلِ مَنْ يُجِيزُ1 التَّنَفُّلَ بِأَرْبَعٍ بِخِلَافِ الْمَسَائِلِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا؛ فَإِنَّهُ لَا يُرَاعِي فِيهَا غَيْرَ دَلَائِلِهَا، وَمِثْلُهُ جَارٍ فِي عُقُودِ الْبَيْعِ وَغَيْرِهَا؛ فَلَا يُعَامِلُونَ الْفَاسِدَ الْمُخْتَلَفَ فِي فَسَادِهِ مُعَامَلَةَ2 الْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهِ، وَيُعَلِّلُونَ التَّفْرِقَةَ بِالْخِلَافِ؛ فَأَنْتَ تَرَاهُمْ يَعْتَبِرُونَ الْخِلَافَ، وَهُوَ مُضَادٌّ لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْمَسْأَلَةِ.
فَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ قَدْ أُشْكِلَتْ عَلَى طَائِفَةٍ، مِنْهُمُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: "الْخِلَافُ لَا يَكُونُ حُجَّةً فِي الشَّرِيعَةِ"3، وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ؛ فَإِنَّ دَلِيلَيِ الْقَوْلَيْنِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَا مُتَعَارِضَيْنِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقْتَضِي ضِدَّ مَا يَقْتَضِيهِ4 الْآخَرُ، وَإِعْطَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَقْتَضِيهِ الْآخَرُ أَوْ بَعْضَ مَا يَقْتَضِيهِ هُوَ مَعْنَى مُرَاعَاةِ الْخِلَافِ، وَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ مُتَنَافِيَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ5.
وَقَدْ سَأَلْتُ عَنْهَا جَمَاعَةً مِنَ الشُّيُوخِ6 الَّذِينَ أَدْرَكْتُهُمْ؛ فَمِنْهُمْ من تأول
__________
= "2/ 169 - ط دار الغرب" و"فتح الباري" "2/ 217-218"، وكتابنا "القول المبين" "ص266 - ط الأولى".
1 في "ط": "قال: يجيز".
2 البيع بيعًا فاسدًا مجمعًا على فساده يجب رده إن لم يفت؛ فإن فات مضى بقيمته إن كان مقومًا ومثله إن كان مثليًا، أما المختلف في فساده، فيجب رده إن لم يفت أيضًا بفسخ الحاكم أو من يقوم مقامه، فإن فات مضى بالثمن؛ فمحل الفرق بينهما عند الفوات؛ لأنه إذ ذاك يتعلق به حق لكل من المتبايعين، وهو يقوي النظر في اعتبار دليل مصحح
البيع المختلف فيه والبناء عليه، فيمضي بالثمن نفسه. "د".
3 جامع بيان العلم" "2/ 922 - ط دار ابن الجوزي".
4 في "د": "يقضيه"!!
5 أي: في أدلة أصل المسألة. "د".
6 انظر عنهم ما قدمناه في التعليق على "1/ 159-160".
الصفحة 107