كتاب الموافقات (اسم الجزء: 5)

يَدَيْهِ الْأَدِلَّةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْعُمُومِ.
وَتَأَمَّلْ مَا ذَكَرَهُ الْقُتْبِيُّ فِي صَدْرِ كِتَابِهِ فِي "مُشَكِلِ الْقُرْآنِ"1، وَكِتَابِهِ فِي "مُشْكِلِ الْحَدِيثِ"2 يُبَيِّنُ لَكَ صِحَّةَ هَذَا الْإِلْزَامِ، فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ هُنَالِكَ آخِذٌ بِبَادِئِ الرَّأْيِ فِي مُجَرَّدِ الظَّوَاهِرِ.
وَالثَّانِي قَتْلُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَتَرْكُ أَهْلِ الْأَوْثَانِ عَلَى ضِدِّ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ جُمْلَةُ الشَّرِيعَةِ وَتَفْصِيلُهَا، فَإِنَّ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ إِنَّمَا جَاءَتْ لِلْحُكْمِ بِأَنَّ أَهْلَ الْإِسْلَامِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ نَاجُونَ، وَأَنَّ أَهْلَ الْأَوْثَانِ هَالِكُونَ، وَلِتَعْصِمَ هَؤُلَاءِ وَتُرِيقَ دَمَ هَؤُلَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِيهِمَا وَالْعُمُومِ، فَإِذَا كَانَ النَّظَرُ فِي الشَّرِيعَةِ مُؤَدِّيًا إِلَى مُضَادَّةِ هَذَا الْقَصْدِ، صَارَ صَاحِبُهُ هَادِمًا لِقَوَاعِدِهَا، وَصَادًّا عَنْ سَبِيلِهَا، وَمَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَهُمْ فِي مَسْأَلَةِ التَّحْكِيمِ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ3 وَفِي غَيْرِهَا، ظَهَرَ لَهُ خُرُوجُهُمْ عَنِ الْقَصْدِ، وَعُدُولُهُمْ عَنِ الصَّوَابِ، وَهَدْمُهُمْ لِلْقَوَاعِدِ، وَكَذَلِكَ مُنَاظَرَتُهُمْ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ4، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ.
فَهَذَانِ وَجْهَانِ ذُكِرَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ مُخَالَفَتِهِمْ لِقَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ الْكُلِّيَّةِ اتِّبَاعًا لِلْمُتَشَابِهَاتِ.
وَقَدْ ذَكَرَ النَّاسُ مِنْ آرَائِهِمْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِهِ، كَتَكْفِيرِهِمْ لِأَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَلِغَيْرِهِمْ وَمِنْهُ سَرَى قَتْلُهُمْ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ وَأَنَّ الْفَاعِلَ لِلْفِعْلِ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ أنه حلال أو حرام فليس بمؤمن، وأن لا حرام إلى مَا فِي قَوْلِهِ: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ
__________
1 انظر منه: "ص103-106".
2 انظر منه: "ص5-11 - ط الكتاب العربي"، ونقل كلامه المصنف في "الاعتصام" "2/ 760-764 - ط ابن عفان".
3 انظر تفصيل المناظرة عند المصنف في "الاعتصام" "2/ 696-698 - ط ابن عفان"، ومضى تخريجها "4/ 221-223".
4 انظر: "سيرة عمر بن عبد العزيز" "ص112-115، 147" لا بن عبد الحكم.

الصفحة 150