كتاب الموافقات (اسم الجزء: 5)

أَحَدُهُمْ لَيْلًا1 أَصْبَحَ وَعَلَى بَابِهِ مَعْصِيَتُهُ مَكْتُوبَةٌ، وَكَذَلِكَ فِي شَأْنِ قَرَابِينِهِمْ فَإِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قَرَّبُوهَا أَكَلَتِ النَّارُ الْمَقْبُولَ، مِنْهَا وَتَرَكَتْ غَيْرَ الْمَقْبُولِ وَفِي ذَلِكَ افْتِضَاحُ الْمُذْنِبِ، إِلَى مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَكَثِيرٌ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ خُصَّتْ بِهَا2 هَذِهِ الْأُمَّةُ، وَقَدْ قَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّ مِنَ الْحِكْمَةِ فِي تَأْخِيرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَنْ سَائِرِ الْأُمَمِ أَنْ تَكُونَ ذُنُوبُهُمْ مَسْتُورَةً عَنْ غَيْرِهِمْ، فَلَا يُطَّلَعُ عَلَيْهَا كَمَا اطَّلَعُوا هُمْ عَلَى ذُنُوبِ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ سَلَفَ.
وَلِلسَّتْرِ حِكْمَةٌ أَيْضًا، وَهِيَ أَنَّهَا لَوْ أُظْهِرَتْ -مَعَ أَنَّ أَصْحَابَهَا مِنَ الْأُمَّةِ-، لَكَانَ فِي ذَلِكَ دَاعٍ إِلَى الْفُرْقَةِ وَالْوَحْشَةِ، وَعَدَمِ الْأُلْفَةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا وَرَسُولُهُ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آلِ عِمْرَانَ: 103] ، وَقَالَ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُم} [الْأَنْفَالِ: 1] .
"وَقَالَ: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَات} 3" [آلِ عِمْرَانَ: 105] .
وَقَالَ: {وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} [الرُّومِ: 31-32] .
وَفِي الْحَدِيثِ: "لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ الله إخوانًا" 4.
__________
1 كذا في "الاعتصام" "2/ 724" و"ط" فقط، وفي غيره: "أحدهم ذنبًا".
2 أي: بالستر فيها كما في "الاعتصام" "2/ 724 - ط ابن عفان". "د".
قلت: وفيه أيضًا: "وهذا الفصل مبسوط في كتاب "الموافقات" والحمد لله".
3 ما بين المعقوفتين سقط في "د". وهو مثبت في الأصل و"ف" و"م" و"ط"، وكذا في "الاعتصام" "2/ 725 - ط ابن عفان"، وما قبله وبعده فيه بحرفه ونصره.
4 أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب الأدب، باب ما ينهي عن التحاسد والتدابر 10/ 481/ رقم 6065، وباب الهجرة، 10/ 492/ رقم 6076"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب البر والصلة، باب تحريم التحاسد والبتاغض والتدابر، 4/ 1983/ رقم 2559" عن أنس رضي الله عنه.

الصفحة 152