كتاب الموافقات (اسم الجزء: 5)
تَفْتَرِقُ بِهَا الْأُمَّةُ مُخْتَلِفَةُ الرُّتَبِ فِي الْقُبْحِ، وبسب ذَلِكَ يَظْهَرُ أَنَّهَا كَثِيرَةٌ جِدًّا.
وَمَا فِي الْحَدِيثِ مَحْصُورٌ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا غَيْرَ دَاخِلٍ فِي الْحَدِيثِ، أَوْ يَكُونُ بَعْضُهَا جُزْءًا مِنْ بِدْعَةٍ فَوْقَهَا أَعَظُمَ مِنْهَا، أَوْ لَا تَكُونُ دَاخِلَةً مِنْ حَيْثُ هِيَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ مِنْ قَبِيلِ الْمَكْرُوهِ1، فَصَارَ الْقَطْعُ عَلَى خُصُوصِيَّاتِهَا فِيهِ نَظَرٌ وَاشْتِبَاهٌ، فَلَا يُقْدَمُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا بِبُرْهَانٍ قَاطِعٍ، وَهَذَا كَالْمَعْدُومِ فِيهَا، فَمِنْ هَذِهِ الْجِهَاتِ صَارَ الْأَوْلَى تَرْكَ التَّعْيِينِ فِيهَا.
فَإِنْ قِيلَ2: فَالْعُلَمَاءُ يَقُولُونَ خِلَافَ هَذَا، وَإِنَّ الْوَاجِبَ هُوَ التَّشْرِيدُ3 بِهِمْ وَالزَّجْرُ لَهُمْ، وَالْقَتْلُ وَمُنَاصَبَةُ الْقِتَالِ إِنِ امْتَنَعُوا، وَإِلَّا أَدَّى ذَلِكَ إِلَى فَسَادِ الدِّينِ.
فَالْجَوَابُ: أَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ فِيهِمْ [كَمَا هُوَ فِي سَائِرِ مَنْ تَظَاهَرَ بِمَعْصِيَةٍ صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ أَوْ دَعَا إِلَيْهَا أَنْ يُؤَدَّبَ أَوْ يُزْجَرَ أَوْ يُقْتَلَ إِنِ امْتَنَعَ] مِنْ فِعْلِ وَاجِبٍ أَوْ تَرْكِ مُحَرَّمٍ، كَمَا يُقْتَلُ تَارِكُ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا إِلَى مَا دُونَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي تَعْيِينِ أَصْحَابِ الْبِدَعِ مِنْ حَيْثُ هِيَ بِدَعٌ يَشْمَلُهَا الْحَدِيثُ، فَتَوَجُّهُ4 الْأَحْكَامِ شَيْءٌ وَالتَّعْيِينُ لِلدُّخُولِ تَحْتَ الْحَدِيثِ شَيْءٌ آخَرُ5.
فَصْلٌ:
وَلِهَؤُلَاءِ الْفِرَقِ خَوَاصُّ وَعَلَامَاتُ فِي الْجُمْلَةِ، وَعَلَامَاتٌ أَيْضًا فِي التفصيل6.
__________
1 أي: فلا تدخل في الحديث الذي يجعل صاحب البدعة في النار. "د".
2 ترق في السؤال ووصول به فوق التعيين إلى القتل ومناصبة القتال، وجوابه فيما سبق يمنع التعيين، وكذلك هنا حيث يقول: إن دخولهم تحت الأحكام شيء ودعوى دخولهم تحت الحديث شيء آخر. "د".
3 كذا في "ط"، وفي غيره: "التشديد".
4 في الأصل و"ط": "فتوجيه".
5 أي: فهما مقامان لا يشكل أحدهما على الآخر. "د"، وما بين المعقوفتين سقط من "ط".
6 انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية" "19/ 114-116".
الصفحة 159