كتاب الموافقات (اسم الجزء: 5)

مِنْ أَمْرِ الدِّينِ فِي شَيْءٍ، وَأَنَّهَا الَّتِي عَنَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَفْسِيرِ الْآيَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} [الْأَنْعَامِ: 159] ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ ذِي دِينٍ وَعَقْلٍ أَنْ يَجْتَنِبَهَا، ودليل ذلك قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آلِ عِمْرَانَ: 103] ، فَإِذَا اخْتَلَفُوا وَتَقَاطَعُوا، كَانَ ذَلِكَ لِحَدَثٍ أَحْدَثُوهُ مِنَ اتِّبَاعِ الْهَوَى".
هَذَا مَا قَالَهُ1، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْإِسْلَامَ يَدْعُو إِلَى الْأُلْفَةِ وَالتَّحَابِّ وَالتَّرَاحُمِ وَالتَّعَاطُفِ، فَكُلُّ رَأْيٍ أَدَّى إِلَى خِلَافِ ذَلِكَ، فَخَارِجٌ عَنِ الدِّينِ.
وَهَذِهِ الْخَاصِّيَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْ تِلْكَ الْفِرَقِ2، أَلَا تَرَى كَيْفَ كَانَتْ ظَاهِرَةً فِي الْخَوَارِجِ الَّذِينَ أَخْبَرَ بِهِمُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي قَوْلِهِ: "يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ" 3، وَأَيُّ فُرْقَةٍ تُوَازِي هَذَا إِلَّا الْفُرْقَةَ الَّتِي4 بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِ الْكُفْرِ! وَهَكَذَا تَجِدُ الأمر في سائر من عرف من
__________
1 في الأصل و"الاعتصام" "2/ 735": "قاله"، وفي جميع النسخ المطبوعة و"ماء": "قالوه".
2 أي: المضمنة في الحديث كما في "الاعتصام" "2/ 735". "د".
3 مضى تخريجه "ص148"، وهو في "الصحيحين".
4 أي: هم وإن كانوا ينطقون، بكلمة التوحيد، ويصلون، ويزعمون أنهم مسلمون، إلا أن خاصيتهم التي ذكرها الحديث تجعل فرقتهم عن المسلمين لا يوازيها إلا فرقة الكفار عن المسلمين، فلا فرق بينهم وبين الكفار في الواقع، فكلمة "إلا" لازمة وإن كانت عبارة "الاعتصام" بدونها، ولكني ما رأيت كتابًا في مثل تحريف طبعة "الاعتصام" "الحالية". "د".
قلت: قال "ف": "لعله كما في "الاعتصام": "توازي هذه الفرقة التي ... "، والمذكور آنفًا رد عليه".

الصفحة 164