كتاب الموافقات (اسم الجزء: 5)

وَقَوْلُهُ: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْن} ... إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الْأَنْعَامِ: 143-144] .
إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ الْحَكِيمُ.
وَكَذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ، كَقَوْلِهِ: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعُلَمَاءَ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءً جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا" 1.
وَكَذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي قِسْمِ زَلَّةِ الْعَالِمِ وَغَيْرِهِ مِمَّا فِي الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَصَّةِ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا نُبِّهَ عَلَيْهَا لِتَنْبِيهِ الشَّرْعِ عَلَيْهَا وَلَمْ يُصَرَّحْ بِهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ2 لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، فَمَنْ تهدى3 إليها فذاك، وإلا، فلا عليه أن لا يُعْلِمَهَا، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.
فَصْلٌ:
وَمِنْ هَذَا4 يُعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا يُعْلَمُ مِمَّا هُوَ حَقٌّ يُطْلَبُ نَشْرُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ عِلْمِ الشَّرِيعَةِ وَمِمَّا يُفِيدُ عِلْمًا بِالْأَحْكَامِ، بَلْ ذَلِكَ يَنْقَسِمُ، فَمِنْهُ مَا هُوَ مَطْلُوبُ النَّشْرِ، وَهُوَ غَالِبُ عِلْمِ الشَّرِيعَةِ، وَمِنْهُ مَا لَا يُطْلَبُ نَشْرُهُ بِإِطْلَاقٍ، أَوْ لَا يُطْلَبُ نَشْرُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَالٍ أَوْ وَقْتٍ أَوْ شَخْصٍ.
وَمِنْ ذَلِكَ تَعْيِينُ هَذِهِ الْفِرَقِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ حَقًّا فَقَدْ يُثِيرُ فِتْنَةً، كَمَا تَبَيَّنَ تَقْرِيرُهُ فَيَكُونُ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ مَمْنُوعًا بَثُّهُ.
وَمِنْ ذَلِكَ عِلْمُ الْمُتَشَابِهَاتِ وَالْكَلَامُ فِيهَا، فَإِنَّ الله ذم من اتبعها، فإذا
__________
1 مضى تخريجه "1/ 97"، وهو في "الصحيحين".
2 تصريحًا يعين أصحابها تعيينًا تامًا بالأسماء والألقاب. "د".
3 في الأصل: "اهتدوا".
4 في "ط": "ومن هنا يعلم ... ".

الصفحة 167