كتاب الموافقات (اسم الجزء: 5)
بِخِلَافِ الْقِيَاسِ، وَيَرَيَانِ مَعًا تَخْصِيصَ الْقِيَاسِ وَنَقْضَ الْعِلَّةِ، وَلَا يَرَى الشَّافِعِيُّ لِعِلَّةِ الشَّرْعِ إِذَا ثَبَتَتْ تَخْصِيصًا، وَهَذَا الَّذِي قَالَ هُوَ نَظَرٌ1 فِي مَآلَاتِ الْأَحْكَامِ، مِنْ غَيْرِ اقْتِصَارٍ عَلَى مُقْتَضَى الدَّلِيلِ الْعَامِّ وَالْقِيَاسِ الْعَامِّ".
وَفِي الْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرٌ جِدًّا.
وَفِي "الْعُتَبِيَّةِ"2 مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ فِي الشَّرِيكَيْنِ يَطَآنِ الْأَمَةَ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ فَتَأْتِي بِوَلَدٍ، فَيُنْكِرُ أَحَدُهُمَا الْوَلَدَ دُونَ الْآخَرِ، أَنَّهُ يَكْشِفُ مُنْكِرَ الْوَلَدِ عَنْ وَطْئِهِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي صِفَتِهِ مَا يُمْكِنُ فِيهِ الْإِنْزَالُ، لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَى إِنْكَارِهِ، وَكَانَ كَمَا لَوِ اشْتَرَكَا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ يَدَّعِي الْعَزْلَ مِنَ الْوَطْءِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ، فَقَالَ أَصْبَغُ: إِنِّي أَسْتَحْسِنُ هُنَا أَنْ أُلْحِقَهُ بِالْآخَرِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَا سَوَاءً، فَلَعَلَّهُ غُلِبَ وَلَا يَدْرِي، وَقَدْ قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِي نَحْوِ هَذَا: "إِنَّ الْوِكَاءَ قَدْ يَتَفَلَّتُ"3.
قَالَ: "وَالِاسْتِحْسَانُ فِي الْعِلْمِ قَدْ يَكُونُ أَغْلَبَ مِنَ الْقِيَاسِ، قَالَ: وَقَدْ سَمِعْتُ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ وَيَرْوِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: تِسْعَةُ أَعْشَارِ الْعِلْمِ الِاسْتِحْسَانُ"4.
فَهَذَا كُلُّهُ يُوَضِّحُ لَكَ أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ غَيْرُ خارج عن مقتضى الأدلة، إلا أنه
__________
1 هذا ظاهر بالنسبة لاستحسان مالك في التخصيص بالمصلحة، أما استحسان أبي حنيفة الذي يخصص بقول الواحد من الصحابة، فالتخصيص ليس فيه نظر للمآل، وإنما هو بالنص الجزئي في مقابلة القياس الكلي أو في مقابلة العام. "د".
2 "4/ 154-155/ مع "الشرح".
3 انظر المسألة في: "البيان والتحصيل" "4/ 155"، و"الاعتصام" "2/ 943 - ط ابن عفان"، ومذاهب الصحابة والتابعين في "مصنف عبد الرزاق" "7/ 359-361"، و"السنن الكبرى" "10/ 263-364" للبيهقي، و"نصب الراية" "3/ 291-292".
4 انظره وتعليق المصنف في "الاعتصام" "2/ 138 - ط رشيد رضا".
الصفحة 198