كتاب الموافقات (اسم الجزء: 5)

ناشىء عَنْ نَتِيجَةِ التَّقْوَى الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} 1. [الْأَنْفَالِ: 29] .
وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْحِكْمَةِ، وَيُشِيرُ إِلَيْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [الْبَقَرَةِ: 269] .
قَالَ مالك: "من شأن ابن آدم أن لا يَعْلَمَ ثُمَّ يَعْلَمَ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الْأَنْفَالِ: 29] 2.
وَقَالَ أَيْضًا: "إِنَّ الْحِكْمَةَ مَسْحَةُ مَلَكٍ على قلب العبد"3.
وقال أيضًا: "الْحِكْمَةُ نُورٌ يَقْذِفُهُ اللَّهُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ"4.
وَقَالَ: "أَيْضًا يَقَعُ بِقَلْبِي أَنَّ الْحِكْمَةَ الْفِقْهُ فِي دِينِ اللَّهِ، وَأَمْرٌ يُدْخِلُهُ اللَّهُ الْقُلُوبَ مِنْ رَحْمَتِهِ وَفَضْلِهِ"5.
وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ كِتَابَةَ الْعِلْمِ -يُرِيدُ مَا كَانَ نَحْوَ الْفَتَاوَى؛ فَسُئِلَ: مَا الَّذِي نَصْنَعُ؟ فَقَالَ: تَحْفَظُونَ وَتَفْهَمُونَ حَتَّى تَسْتَنِيرَ قُلُوبُكُمْ، ثُمَّ لَا تَحْتَاجُونَ إِلَى الْكِتَابِ.
وَعَلَى الْجُمْلَةِ، فَتَحْقِيقُ الْمَنَاطِ الْخَاصِّ نَظَرٌ فِي كُلِّ مُكَلَّفٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا وَقَعَ عَلَيْهِ مِنَ الدَّلَائِلِ التَّكْلِيفِيَّةِ، بِحَيْثُ يَتَعَرَّفُ مِنْهُ مَدَاخِلَ الشيطان، ومداخل
__________
1 أي: هداية ونورًا في قلوبكم تفرقون به بين الحق والباطل. "ماء".
2 أورد نحوه عن مالك القرطبي في "التفسير" "7/ 396"، وذكره القاضي عياض في "ترتيب المدراك" "1/ 186 - ط بيروت".
3 أورده القاضي عياض في "ترتيب المدارك" "1/ 186".
4 أورده القاضي عياض في "المدارك" "1/ 186"، وذكر المصنف عن مالك نحوه "1/ 105"، وخرجناه هناك، وفاتنا عزوه للدوري فيما رواه الأكابر "ص62" ولأبي نعيم "6/ 319".
5 أورد القاضي عياض في "المدارك" "1/ 186".

الصفحة 24