كتاب الموافقات (اسم الجزء: 5)
وَأَنْكَرَ عَلَى الْحَوْلَاءِ بِنْتِ تُوَيْتٍ قِيَامَهَا اللَّيْلَ1.
وَرُبَّمَا تَرَكَ الْعَمَلَ2 خَوْفًا أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضُ عَلَيْهِمْ.
وَلِهَذَا -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَخْفَى السَّلَفُ الصَّالِحُ أَعْمَالَهُمْ؛ لِئَلَّا يُتَّخَذُوا قُدْوَةً، مَعَ مَا كَانُوا يَخَافُونَ عَلَيْهِ أَيْضًا مِنْ رِيَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِذَا كَانَ الْإِظْهَارُ عُرْضَةً لِلِاقْتِدَاءِ؛ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ إِلَّا مَا صَحَّ لِلْجُمْهُورِ أَنْ يَحْتَمِلُوهُ.
فَصْلٌ:
إِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْحَمْلَ عَلَى التَّوَسُّطِ هُوَ الْمُوَافِقُ لِقَصْدِ الشَّارِعِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ؛ فَلْيَنْظُرِ الْمُقَلِّدُ أَيُّ مَذْهَبٍ كَانَ أَجْرَى عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ فَهُوَ أَخْلَقُ بالاتِّباع وَأَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ، وَإِنْ كَانَتِ الْمَذَاهِبُ كُلُّهَا طُرُقًا إِلَى اللَّهِ، وَلَكِنَّ التَّرْجِيحَ فِيهَا لَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنَ اتِّبَاعِ الْهَوَى كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَقْرَبُ إِلَى تَحَرِّي قَصْدِ الشَّارِعِ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ؛ فَقَدْ قَالُوا3 فِي مَذْهَبِ دَاوُدَ لَمَّا وَقَفَ مَعَ الظَّاهِرِ مُطْلَقًا: إِنَّهُ بِدْعَةٌ حَدَثَتْ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ، وَقَالُوا في مذهب أصحاب الرأي4: لا يكاد المعرق5 فِي الْقِيَاسِ إِلَّا يُفَارِقُ السُّنَّةَ؛ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ رَأْيٌ بَيْنَ هَذَيْنِ؛ فَهُوَ الْأَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ، وَالتَّعْيِينُ فِي هَذَا الْمَذْهَبِ مَوْكُولٌ إِلَى أَهْلِهِ، والله أعلم.
__________
1 مضى تخريجه "1/ 527".
2 كقيام رمضان جماعة في المسجد. "د" قلت: تقدم مع تخريجه "4/ 423".
3 المذكور قول القاضي عياض كما قدمناه "2/ 320"، وانظر -لزامًا- تعليقنا عليه.
4 المذكور قول مالك على ما في "الاعتصام" "2/ 638 - ط ابن عفان" أو قول أصبغ، على ما مضى عند المصنف "ص199".
5 كذا في "ط": وفي النسخ المطبوعة: "المعرق" بعين مهملة، وتصحف في "الاعتصام" إلى "المفرق" بالفاء، والصواب ما اثبتناه، وكتب "ف" -وتبعه "م"- ما نصه: "أي": المناضل فيه، المتوغل في مناحيه".
الصفحة 280