كتاب الموافقات (اسم الجزء: 5)
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:
حَيْثُ يَتَعَيَّنُ1 التَّرْجِيحُ؛ فَلَهُ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا عَامٌّ، وَالْآخِرُ خَاصٌّ.
فَأَمَّا الْعَامُّ؛ فَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ؛ إِلَّا أَنَّ فِيهِ مَوْضِعًا يَجِبُ أَنْ يُتَأمل ويُحترز مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ تَجَاوَزُوا التَّرْجِيحَ بِالْوُجُوهِ الْخَالِصَةِ إِلَى التَّرْجِيحِ بِبَعْضِ الطَّعْنِ عَلَى الْمَذَاهِبِ الْمَرْجُوحَةِ عِنْدَهُمْ، أَوْ عَلَى أَهْلِهَا الْقَائِلِينَ بِهَا، مَعَ أَنَّهُمْ يُثْبِتُونَ مَذَاهِبَهُمْ وَيَعْتَدُّونَ بِهَا وَيُرَاعُونَهَا، وَيُفْتُونَ بِصِحَّةِ الِاسْتِنَادِ إِلَيْهِمْ فِي الْفَتْوَى، وَهُوَ غَيْرُ لَائِقٍ بِمَنَاصِبِ الْمُرَجِّحِينَ، وَأَكْثَرُ مَا وَقَعَ ذَلِكَ فِي التَّرْجِيحِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَمَا يَلِيهَا مِنْ مَذْهَبِ دَاوُدَ وَنَحْوِهِ2؛ فَلْنَذْكُرْ هُنَا أُمُورًا يَجِبُ التَّنَبُّهُ لَهَا:
أَحَدُهَا: أَنَّ التَّرْجِيحَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ إِنَّمَا يَقَعُ فِي الْحَقِيقَةِ بَعْدَ الِاشْتِرَاكِ3 فِي الْوَصْفِ الَّذِي تَفَاوَتَا فِيهِ، وَإِلَّا؛ فَهُوَ إِبْطَالٌ لِأَحَدِهِمَا، وَإِهْمَالٌ لِجَانِبِهِ رَأْسًا، وَمِثْلُ4 هَذَا لَا يُسَمَّى تَرْجِيحًا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ؛ فَالْخُرُوجُ فِي [تَرْجِيحِ] بَعْضِ الْمَذَاهِبِ عَلَى بَعْضٍ إِلَى الْقَدْحِ فِي أَصْلِ الْوَصْفِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَحَدِ الْمُتَّصِفِينَ خُرُوجٌ عَنْ نَمَطٍ5 إِلَى نَمَطٍ آخَرَ مُخَالِفٍ لَهُ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْعُلَمَاءِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَلِيقُ بِذَلِكَ الطَّعْنِ وَالْقَدْحِ فِي حُصُولِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِمَنْ تَعَاطَاهُ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَالْأَئِمَّةُ الْمَذْكُورُونَ بُرَآءُ6 مِنْ ذَلِكَ؛ [فهذا] 7 النمط لا يليق بهم.
__________
1 في "ط": "تعين".
2 انظر في هذا: "مجموع فتاوى ابن تيمية" "20/ 291-293"، و"بدعة التعصب المذهبي" للشيخ محمد عيد عباسي.
3 في "ف" و"م": "بين الاشتراك"، وقالا: "لعله: "بعد الاشتراك"، وفي "ط": "مع الاشتراك".
4 في "د": "مثله".
5 لعل فيه سقط كلمة "الترجيح". "د".
6 إذ الموضوع أنهم يثبتون مذاهبهم.. إلخ ما تقدم. "د".
7 ما بين المعقوفتين سقط من "د".
الصفحة 286