كتاب الموافقات (اسم الجزء: 5)
وَلَمَّا مَاتَ؛ وُجِدَ فِي تَرِكَتِهِ حَدِيثٌ كَثِيرٌ جِدًّا لَمْ يُحَدِّثْ بِشَيْءٍ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ1.
وَكَانَ إِذَا قِيلَ لَهُ: "لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ غَيْرِكَ" تَرَكَهُ، وَإِنْ قِيلَ لَهُ: "هَذَا مِمَّا2 يَحْتَجُّ بِهِ أَهْلُ الْبِدَعِ" تَرَكَهُ، وَقِيلَ لَهُ: إِنَّ فُلَانًا يُحَدِّثُ3 بِغَرَائِبَ. فَقَالَ: "مِنَ الْغَرِيبِ نَفِرُّ". وَكَانَ4 إِذَا شَكَّ فِي الْحَدِيثِ طَرَحَهُ كُلَّهُ، وَقَالَ5: "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أُخْطِئُ وَأُصِيبُ؛ فَانْظُرُوا [فِي] رَأْيِي؛ فَكُلُّ مَا وَافَقَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَخُذُوا بِهِ، وَكُلُّ مَا لَمْ يُوَافِقْ ذَلِكَ فَاتْرُكُوهُ".
وَقَالَ6: "لَيْسَ كُلُّ مَا قَالَ الرَّجُلُ وَإِنْ كَانَ فَاضِلًا يُتَّبَعُ وَيُجْعَلُ سُنَّةً وَيُذْهَبُ بِهِ إِلَى الْأَمْصَارِ، قَالَ اللَّهُ تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} الْآيَةَ [الزُّمَرِ: 17-18] .
وَسُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ أَجَابَ فِيهَا ثُمَّ قَالَ مَكَانَهُ: "لَا أَدْرِي، إِنَّمَا هُوَ الرَّأْيُ وَأَنَا أُخْطِئُ وَأَرْجِعُ، وَكُلُّ مَا أَقُولُ يكتب"7.
__________
1 انظر تفصيل ذلك في "ترتيب المدارك" "1/ 148، 149".
2 في "د" "ما"، وما أثبتناه من "ترتيب المدارك" "1/ 150" والأصل و"ف" و"م" و"ط".
3 في "ترتيب المدارك" "1/ 150": "تحدثنا".
4 في "ترتيب المدراك" "1/ 150": "قال الشافعي: كان مالك إذا شك..".
5 في ترتيب المدارك" "1/ 146-147": قال معن: سمعت مالكًا يقول: إنما أنا بشر...."، وما بين المعقوفتين منه.
6 قال المؤلف في "الاعتصام" "2/ 362": "ذكر ابن معين عن عيسى بن دينار عن ابن القاسم عن مالك ... "وذكره"، ونحوه في "المقدمات" لابن رشد "3/ 424 - ط دار الغرب"، وانظر: "الإمام مالك مفسرًا" "ص341".
7 نحوه في "ترتيب المدارك" "1/ 150".
الصفحة 331