كتاب الموافقات (اسم الجزء: 5)

يُحَدَّثَ بِهِ. فَقَالَ: إِنَّمَا أَسْمَعُهُ لِأَعْرِفَهُ، لَا لِأُحَدِّثَ بِهِ. فَقَالَ لَهُ: مَا يَسْمَعُ إِنْسَانٌ شَيْئًا إِلَّا يُحَدِّثُ بِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ لَقَدْ سَمِعْتُ مِنِ ابْنِ شِهَابٍ أَشْيَاءَ مَا تَحَدَّثْتُ بها، وأرجو أن لا أفعل ما عشت، وقد1 ندمت أن لا أَكُونَ طَرَحْتُ مِنَ الْحَدِيثِ أَكْثَرَ مِمَّا طَرَحْتُ".
قَالَ أَشْهَبُ2: "رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ قَائِلًا يَقُولُ: لَقَدْ لَزِمَ مَالِكٌ كَلِمَةً عِنْدَ فَتْوَاهُ لَوْ وَرَدَتْ عَلَى الْجِبَالِ لَقَلَعَتْهَا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: "مَا شَاءَ اللَّهُ، لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ"".
هَذِهِ جُمْلَةٌ تَدُلُّ الْإِنْسَانَ عَلَى مَنْ يَكُونُ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَوْلَى بِالْفُتْيَا وَالتَّقْلِيدِ لَهُ، وَيَتَبَيَّنُ بِالتَّفَاوُتِ فِي هَذِهِ الْأَوْصَافِ الرَّاجِحُ مِنَ الْمَرْجُوحِ، وَلَمْ آتِ بِهَا عَلَى تَرْجِيحِ تَقْلِيدِ مَالِكٍ، وَإِنْ كَانَ أَرْجَحَ3 بِسَبَبِ شِدَّةِ اتِّصَافِهِ بِهَا، وَلَكِنْ لِتُتَّخَذَ قَانُونًا فِي سَائِرِ الْعُلَمَاءِ؛ فَإِنَّهَا مَوْجُودَةٌ فِي سَائِرِ هُدَاةِ الْإِسْلَامِ، غَيْرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ أشد اتصافا بها من بعض4.
__________
1 في "ترتيب المدارك" "1/ 151": "وروى البياضي عنه أنه قال: لقد ندمت أن لا أكون طرحت أكثر مما طرحت من الحديث". وفي "ط": "وقال: لقد ... ".
2 مثله في "ترتيب المدارك" "1/ 151"، وفيه: "لو ورد عليه الجبال"، وفي "ط" و"ف" و"م": "وردت عليه"، وعلَّقا: "لعل "أصل" هذه العبارة: "لو وردت على الجبال لقلعتها"".
3 انظر رجحان مذهب أهل المدينة في "مجموع الفتاوى" "10/ 260 و20/ 294-320 و333-396"، وانظر منه: "20/ 320-348" تعظيم الناس لمالك.
4 في "ط": "من البعض".

الصفحة 333