كتاب الموافقات (اسم الجزء: 5)

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:
الْإِكْثَارُ مِنَ الْأَسْئِلَةِ مَذْمُومٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ النَّقْلُ الْمُسْتَفِيضُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ السَّلَفِ الصَّالِحِ؛ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أيها يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ 1 إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} الْآيَةَ: [الْمَائِدَةِ: 101] .
وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَرَأَ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} الْآيَةَ [آلِ عِمْرَانَ: 97] . فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أكُلَّ عَامٍ؟ فَأَعْرَضَ ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَكُلَّ عَامٍ "ثَلَاثًا"؟ وَفِي كُلِّ ذَلِكَ يُعْرِضُ، وَقَالَ فِي الرَّابِعَةِ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لَوْ قلتُها لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ مَا قُمْتُمْ بِهَا، وَلَوْ لَمْ تَقُومُوا بِهَا لَكَفَرْتُمْ؛ فَذَرُونِي مَا تَرَكُتْكُمْ" 2.
وَفِي مِثْلِ هَذَا3 نَزَلَتْ: {لَا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاء} الآية [المائدة: 101] .
__________
1 والمراد بالأشياء ما لاخير لهم فيه من التكاليف الشاقة عليهم، والأسرار الخفية التي قد يُفتضحون بها، وكل يسوء؛ أما الثاني؛ فظاهر؛ أما الأول؛ فلأن السؤال عما لم كلفوا به ربما كان سببًا في التكليف؛ عقوبة لخروجهم عن الأدب، وتركهم بما يليق بهم من التسليم لله من غير تعرض للكميات والكيفيات؛ كما يشير إليه حديث الحج، وإن لم يقع هذا النوع من العقوبة من هذه الشريعة السمحة، وإذا كان كذلك؛ ظهر أن الاستدلال بالآية فيه قصور عن المدعى؛ لأنه إنما يظهر ذلك في مدة الوحي، والمدعى أوسع من هذا. "د".
قلت: قال ابن العربي في "أحكام القرآن" "2/ 700" في "المسألة السادسة" من المسائل تحت الآية المذكورة: "اعتقد قوم من الغافلين تحريم أسئلة النوازل حتى تقع؛ تعلقًا بهذه الآية، وهو جهل؛ لأن هذه الآية قد صرحت بأن السؤال المنهي عنه إنما كان فيما تقع المساءة في جوابه، ولا مساءة في جواب نوازل الوقت".
2 مضى تخريجه "1/ 256"، والرجل هو الأقرع بن حابس كما صرح به النسائي "5/ 83"، والدارقطني "2/ 279"، وابن ماجه "رقم 1886"، وانظر: "تنبيه المعلم" "رقم 512" وتعليقنا عليه.
3 قيل: نزلت لهذا السبب نفسه، وهو السؤال عن فرضية الحج في كل عام، وقالوا: إنه =

الصفحة 374