كتاب الموافقات (اسم الجزء: 5)

عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ" 1.
وَقَامَ يَوْمًا وَهُوَ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ؛ فَذَكَرَ السَّاعَةَ وَذَكَرَ قَبْلَهَا أُمُورًا عِظَامًا، ثُمَّ قَالَ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ فَلْيَسْأَلْ عَنْهُ؛ فَوَاللَّهِ لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هَذَا". قَالَ: فَأَكْثَرَ النَّاسُ مِنَ الْبُكَاءِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ، وَأَكْثَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ يَقُولَ: "سَلُوني". فقام عبد الله ابن حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ؛ فَقَالَ: مَنْ أَبِي؟ فَقَالَ: "أَبُوكَ حُذَافَةُ". فَلَمَّا أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ: "سَلُوني"؛ بَرَكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وبمحمد نبينا. قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ عُمَرُ ذَلِكَ، وَقَالَ أَوَّلًا: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لَقَدْ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ وَأَنَا أُصلي؛ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ" 2!!.
وَظَاهِرُ هَذَا الْمَسَاقِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ: "سَلُونِي" فِي مَعْرِضِ الْغَضَبِ، تَنْكِيلًا بِهِمْ فِي السُّؤَالِ حَتَّى يَرَوْا عَاقِبَةَ ذَلِكَ؛ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ3 وَرَدَ فِي الْآيَةِ قَوْلُهُ: {إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُم} [الْمَائِدَةِ: 101] .
وَمِثْلُ ذَلِكَ قِصَّةُ أَصْحَابِ الْبَقَرَةِ؛ فَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: "لو ذبحوا بقرة ما أجزأتهم، وَلَكِنْ شَدَّدُوا فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ حَتَّى ذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ"4.
وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ5: "يَا عَبْدَ اللَّهِ! مَا عَلَّمَكَ اللَّهُ فِي كتابه من علم؛
__________
1 مضى تخريجه "1/ 256".
2 مضى تخريجه "1/ 45، 258"، وهو في "الصحيحين".
3 أي: بناء على أن الآية نزلت في تلك القصة. "د".
4 مضى تخريجه "1/ 49".
5 كذا في الأصل و"ط"، وهو الصواب، وفي النسخ المطبوعة: "خيثم" بتقديم التحتية على الثاء المثلث, وهو خطأ.

الصفحة 377