كتاب الموافقات (اسم الجزء: 5)

جُمْلَةِ الشَّرِيعَةِ وَتَفَاصِيلِهَا.
وَقَالَ تَعَالَى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ} [الْبَقَرَةِ: 213] ، وَلَا يَكُونُ حَاكِمًا بَيْنَهُمْ إِلَّا مَعَ كَوْنِهِ قَوْلًا وَاحِدًا فَصْلًا بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ.
وَقَالَ: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ: {وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيه} [الشُّورَى: 13] ، ثُمَّ ذَكَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَحَذَّرَ الْأُمَّةَ أَنْ يَأْخُذُوا بِسُنَّتِهِمْ؛ فَقَالَ: {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [الشُّورَى: 14] .
وَقَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [الْبَقَرَةِ: 176] .
وَالْآيَاتُ فِي ذم الاختلاف والأمر بالرحوع إِلَى الشَّرِيعَةِ كَثِيرٌ كُلُّهُ، قَاطِعٌ فِي أَنَّهَا لَا اخْتِلَافَ فِيهَا، وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى مَأْخَذٍ وَاحِدٍ وَقَوْلٍ وَاحِدٍ، قَالَ الْمُزَنِيُّ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ: "ذَمَّ اللَّهُ الِاخْتِلَافَ وَأَمَرَ عِنْدَهُ بِالرُّجُوعِ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ". [فَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ مِنْ دِينِهِ مَا ذَمَّهُ، وَلَوْ كَانَ التَّنَازُعُ مِنْ حُكْمِهِ مَا أَمَرَهُمْ بِالرُّجُوعِ عِنْدَهُ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ"] .
وَالثَّانِي: أَنَّ عَامَّةَ 2 أَهْلِ الشَّرِيعَةِ أُثبتوا فِي القرآن والسنة الناسخ
__________
1 أورده ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" "2/ 910 - ط المحققة".
2 لم يخالف إلا أبو مسلم الأصفهاني من المسلمين في وقوعه في شريعة واحدة، والصحيح أن خلافه لفظي؛ لأنه يسميه تخصيصًا، ولم يخالف فيه من الملل الأخرى سوى الشمعونية من اليهود، ذهبوا إلى امتناعه عقلًا وسمعًا، والعنانية منهم إلى امتناعه سمعًا، أما العيسوية منهم أصحاب عيسى* الأصفهاني؛ فيجيزونه عقلًا وسمعًا، واعترفوا بنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولكنهم قالوا للعرب خاصة. "د".
قلت: انظر في مذهب أبي مسلم الأصفهاني: "نهاية السول" "2/ 149"، و"نظرية النسخ في الشرائع السماوية" "ص23" لشعبان محمد
إسماعيل، مطابع الدجوي، مصر، سنة 1977، و"لا نسخ في القرآن" لأحمد السقا "ص17-18"، ط دار الفكر العربي، سنة 1978م.
__________
* كذا في الشرح، والصواب: "أبو عيسى"، انظر: "الملل والنحل" "1/ 215"، وانظر عنهم وعن "العنانية" و"الشمعونية": "اعتقادات فرق المسلمين" "82-83"، و"الحور العين" "144"، و"أديان العرب في الجاهلية" "199-202".

الصفحة 61