كتاب الموافقات (اسم الجزء: 5)

وَمِثْلُ مَعْنَاهُ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: "مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِاخْتِلَافِهِمْ حُمْرَ النَّعَمِ"، قَالَ الْقَاسِمُ: "لَقَدْ أَعْجَبَنِي قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: "مَا أُحِبُّ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ لَمْ يَخْتَلِفُوا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَوْلًا وَاحِدًا كَانَ النَّاسُ فِي ضِيقٍ، وإنما أَئِمَّةٌ يُقْتَدَى بِهِمْ؛ فَلَوْ أَخَذَ أَحَدٌ بِقَوْلِ رَجُلٍ مِنْهُمْ كَانَ فِي سَعَةٍ"1.
وَقَالَ بِمِثْلِ ذلك جماعة من العلماء.
وأيضًا؛ فَإِنَّ أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ بِالنِّسْبَةِ [إِلَى الْعَامَّةِ كَالْأَدِلَّةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى] 2 الْمُجْتَهِدِينَ، وَيَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى قَوْلِ جَمَاعَةٍ أَنْ يُقَلِّدَ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ شَاءَ3، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ فِي سَعَةٍ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ فِي الْأَدِلَّةِ إِذَا تَعَارَضَتْ عَلَى الْمُجْتَهِدِ وَاقْتَضَى كُلُّ وَاحِدٍ ضِدَّ حُكْمِ الْآخَرِ وَلَمْ يَكُنْ4 ثَمَّ تَرْجِيحٌ؛ فَلَهُ
__________
1 أخرجه ابن عبد البر في "الجامع" "2/ 901، 902/ رقم 1688، 1689"، وإسناده حسن. وفي "ط": "فلو أخذ رجل بقول أحد ... ".
2 ما بين المعقوفتين من "ط" فقط، وبدله في "ف": "كأقوال"، وقال "ف": "لعل في العبارة سقطًا والأصل؛ فإن أقوال العلماء بالنسبة إلى المقلدين كأقوال المجتهدين".
وتابعه "د" و"م"؛ فأثبتوها في المتن، ولم ينبهوا على ذلك.
3 أي: ولا يلزم البحث عن مرجح، ولا التعرف عن الأفضل، ومقابله أن تعدد أقوالهم يعتبر للعامي كتعدد الأدلة وتعرضها عند المجتهد، وسيأتي له المبحث مستوفى، يعني: وهذا يؤيد إشكاله على المسألة لأنه إنما يصح إذا سلم تعارض الأدلة، وكان ما يترتب عليه من الخلاف مفيدًا في الشريعة. "د".
4 بهذا القيد لا ينافي ما تقدم له في الدليل الرابع من الاتفاق على إثبات الترجيح بين الأدلة المتعارضة؛ فهنا موضوع الخلاف وجود التعارض مع عجز المجتهد عن الترجيح بين الإمارتين، وفيه تسعة مذاهب: أحدها هذا التخيير، ونسب أيضًا إلى أبي علي وابنه أبي هاشم والقاضي أبي بكر، وقيل: يتساقطان فيطلب الحكم من موضع آخر. "د". قلت انظر في هذه المسألة: "شرح العبادي على الورقات" "ص150-153"، و"البحر المحيط" و"أدلة التشريع المتعارضة" ص183" لبدران أبو العينين.

الصفحة 68