كتاب الموافقات (اسم الجزء: 5)

عِيَاضٌ1، وَكَانَتْ مِمَّا غَضَّ مِنْ مَنْصِبِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ عُزِلَ عَنْ قَضَاءِ الْبِيرَةِ لِرَفْعِ أَهْلِهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ عُزِلَ عَنِ الشُّورَى لِأَشْيَاءَ نُقِمَتْ عَلَيْهِ، وَسَجَّلَ بِسَخْطَتِهِ الْقَاضِي حَبِيبُ بْنُ زِيَادٍ وأمر بإسقاط عدالته وإلزامه2 بيته وأن لا يُفْتِيَ أَحَدًا فَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ وَقْتًا، ثُمَّ إِنَّ النَّاصِرَ احْتَاجَ إِلَى شِرَاءِ مِجْشَرٍ3 مِنْ أَحْبَاسِ الْمَرْضَى بِقُرْطُبَةَ بِعَدْوَةِ النَّهْرِ، فَشَكَا إِلَى الْقَاضِي ابْنِ بَقِيٍّ أَمْرَهُ وَضَرُورَتَهُ إِلَيْهِ لِمُقَابَلَتِهِ مُتَنَزَّهَهُ4 وَتَأَذِّيهِ بِرُؤْيَتِهِمْ أَوَانَ تَطَلُّعِهِ مِنْ عَلَالِيِّهِ؛ فَقَالَ لَهُ ابْنُ بَقِيٍّ: لَا حِيلَةَ عِنْدِي فِيهِ، وَهُوَ أَوْلَى أَنْ يُحَاطَ بِحُرْمَةِ الْحُبْسِ. فَقَالَ لَهُ: فَتَكَلَّمْ مَعَ الْفُقَهَاءِ فِيهِ، وَعَرِّفْهُمْ رَغْبَتِي وَمَا أَجْزُلُهُ مِنْ أَضْعَافِ الْقِيمَةِ فِيهِ؛ فَلَعَلَّهُمْ أَنْ يَجِدُوا لِي فِي ذَلِكَ رُخْصَةً.
فَتَكَلَّمَ ابْنُ بَقِيٍّ مَعَهُمْ، فَلَمْ يَجْعَلُوا إِلَيْهِ سَبِيلًا؛ فَغَضِبَ النَّاصِرُ عَلَيْهِمْ، وَأَمَرَ الْوُزَرَاءَ بِالتَّوَجُّهِ فِيهِمْ إِلَى الْقَصْرِ وَتَوْبِيخِهِمْ؛ فَجَرَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْوُزَرَاءِ5 مُكَالَمَةٌ وَلَمْ يَصِلِ النَّاصِرُ مَعَهُمْ إِلَى مَقْصُودِهِ، وَبَلَغَ ابْنَ لُبَابَةَ هَذَا الْخَبَرُ؛ فَرَفَعَ إِلَى النَّاصِرِ يَغُضُّ مِنْ أَصْحَابِهِ الْفُقَهَاءِ، وَيَقُولُ: إِنَّهُمْ حَجَرُوا عَلَيْهِ وَاسِعًا، وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا لَأَفْتَاهُ بِجَوَازِ الْمُعَاوَضَةِ وَتَقَلُّدِهَا وَنَاظَرَ أَصْحَابَهُ فِيهَا، فَوَقَعَ الْأَمْرُ بِنَفْسِ النَّاصِرِ، وَأَمَرَ بِإِعَادَةِ مُحَمَّدِ بْنِ لُبَابَةَ إِلَى الشُّورَى عَلَى حَالَتِهِ الْأُولَى، ثُمَّ أَمَرَ الْقَاضِيَ بِإِعَادَةِ الْمَشُورَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ؛ فَاجْتَمَعَ الْقَاضِي وَالْفُقَهَاءُ، وَجَاءَ ابْنُ لُبَابَةَ آخِرَهُمْ، وَعَرَّفَهُمُ الْقَاضِي ابْنُ بَقِيٍّ بِالْمَسْأَلَةِ الَّتِي جَمَعَهُمْ لأجلها وغبطة6 المعاوضة فيها،
__________
1 في "ترتيب المدارك" "2/ 399 - ط بيروت"، وذكرها المصنف في "الاعتصام" "2/ 684-685 - ط ابن عفان".
2 ف "ط": وألزمه".
3 كمنبر حوض لا يسقى فيه، وبالفتح: اسم مكان من الجشر -بالسكون-، وهو أن يخرجوا بخيلهم فيرعوها أمام بيوتهم، والمراد به مرتفق المرضى كالمستشفى. "ف" وتبعه "م".
4 في الأصل و"ف" و"م": "منزهة"، وكذا في "الاعتصام" "2/ 684"، وفي "ترتيب المدارك" "2/ 399": "منتزهه وباديته فيهم، وأن مطلعه من علاليه..".
5 في "ط": "بعض الوزراء".
6 كذا في الأصل و"ف" و"د" و"الترتيب" و"الاعتصام"، وفي "م": "ورغبه".

الصفحة 87