كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

بـ «الحَشويَّة»، حيث قال: «أمَّا الصِّفات الَّتي يتمسَّكون بها، فآحادٌ لا تُفضي إلى العِلم، ولو أضربنا عن جميعِها لكانَ سائِغًا» (¬١)!
أمَّا الفخر الرَّازي (ت ٦٠٦ هـ)، فغايةٌ لا تُسامى في ردِّ الصِّحاحِ بقانونِه العقليِّ الكُليِّ، وسيأتي الكلام عليه قريبًا في موضعه من هذا المَبحث.
ثمَّ الآمديُّ (ت ٦٣١ هـ) (¬٢) قريبًا منه، نراه يسوق في إحدى كُتبِه أدلَّته على رؤيةِ الله في الجنَّة، ثمَّ يختمها بقوله: « .. وعلى الجُملة، فلَسْنا نعتمِدُ في هذه المسألةِ على غير المَسلك الَعقليِّ الَّذي أوضحناه، إذْ ما سِواه لا يخرُج عن الظَّواهر السَّمعية، والاستبصاراتِ العقليَّة، وهي ممَّا يَتقاصر عن إفادةِ القطعِ واليقينِ، فلا يُذكر إلَّا على سبيلِ التَّقريبِ واستدراجِ قانعٍ بها إلى الاعتقاد الحقيقيِّ» (¬٣).
وبهذا تعلمُ أنَّ انكماشَ المذهبِ الاعتزاليِّ، وتَقلُّصَ دعوتِه، لم يَقتضِ انحسارَ كثيرٍ مِن عَقائِده ومَبادِئه، حيث تَبنَّى بعضَها الأشاعِرةُ المُتأخِّرون كما علِمتَ، وأظهر منهم في هذا التَّبنِّي الاثنا عَشريَّة والزَّيديَّة (¬٤)، حتَّى قال (جولدْزِيهر): «قد استقَرَّ الاعتزالُ في مُؤلَّفات الشِّيعةِ حتَّى يومِنا هذا، فلِذا كان مِن الخطأ الجَسيمِ -سواءٌ مِن ناحيةِ التَّاريخِ الدِّيني أو الأدَبيِّ- أن يُزعَم بأنَّه لم يبْقَ للاعتزالِ أثرٌ قائمٌ مَحسوسٌ» (¬٥).
---------------
(¬١) «الإرشاد» للجويني (ص/١٣٩).
(¬٢) علي بن محمد بن سالم التغلبي، أبو الحسن، سيف الدين الآمدي: أصولي مُتكلِّم، أصله من آمد من (ديار بكر)، وتعلم في بغداد والشام، وانتقل إلى القاهرة، فدرَّس فيها واشتهر، له نحو عشرين مصنفا، منها «الإحكام في أصول الأحكام»، ومُختصره «منتهى السول»، و «أبكار الأفكار»، انظر «الأعلام» (٤/ ٣٢٨).
(¬٣) «غاية المرام في علم الكلام» للآمدي (ص/١٧٤).
(¬٤) انظر «تأثير المعتزلة في الخوارج والشيعة» لـ د. عبد اللطيف الحفظي (ص/٤١٧)، و «أصول مذهب الشيعة» لـ د. القفاري (٢/ ٦٤٩).
(¬٥) «العقيدة والشريعة» (ص/٢٢٣).

الصفحة 115