كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

طريقُ التِّسليمِ بصحَّةِ المنقولِ، مع الاعترافِ بالعجزِ عن فَهْمِهِ، وتفويضِ الأمرِ إلى الله في علمِه.
والطَّريق الثَّانيةُ: تأويلُ النَّقلِ، مع المُحافظةِ على قوانين اللُّغَةِ، حتَّى يتَّفِقُ مَعناهُ مع ما أثْبتَه العقلُ.
وبهذا الأصلِ الَّذي قام على الكتابِ وصحيحِ السُّنَّةِ، وعَمَلِ النَّبي صلى الله عليه وسلم، مُهِّدَت بين يَدَيْ العقلِ كلُّ سبيل، وأُزيلَت مِن سبيلِه جميعُ العَقبات» (¬١).
وفي تقريرِ هذه النَّزعة العقلانيَّةِ لعمومِ رُوَّادِ هذه المَدرسة الإصلاحيَّة الحديثة، يقول محمَّد حمزة (¬٢): «إنَّ النَّزعةَ العَقليَّة الَّتي تحمَّس لها مُفكِّرون عديدون، كمحمَّد عبدُه، وعلي عبد الرزَّاق، وأحمد أمين، ومحمود أبو ريَّة، وَجَدَت في مَبادئِ المُعتزلة ونزعَتِها العقليَّة تعبيرًا صادقًا عن طموحاتِها، فكان الاحتفاءُ بمَبادئها -وخاصَّةً في فترةِ ما بين الحَرْبين- استعادةً جديدةً ومُحاولةَ إحياءِ العقلانيَّةِ العربيَّةِ القديمة ..
ومثلما وَجَدَ هؤلاء المُفكِّرون في مَبادئ المعتزلة ما يَتناغم مع دعوتِهم التَّحديثيَّة، فإنَّ موقفَ المُعتزلة مِن الأدلَّة النَّقليَّة عمومًا، والحديثِ النَّبويِّ بصفةٍ أخص، كان مِمَّا يُلائم أفكارَهم» (¬٣).
ثمَّ جاء من بعدِ هؤلاء مَن أشادَ بمناهجِ المُعتزلة صراحةً، وأثنى على جُملةٍ مِن هَرطقاتِهم، كما تراه عند (جمال البنَّا) من جعلِه العقلَ هو الأصلَ الأوَّل للشَّريعة (¬٤)! وعلى هذا المَبدأ نفسِه سَمَّى (سامر إسلامبولي) نقدَه للصَّحيحين بـ «تحريرِ العقل مِن النَّقل».
---------------
(¬١) «الأعمال الكاملة للشَّيخ محمد عبده» لمحمَّد عمارة (٣/ ٣٠١).
(¬٢) محمد حمزة: باحث تونسي حَداثيٌّ، أستاذ محاضر في الجامعة التونسيَّة، مختصٌّ في قضايا الفكر الإسلاميِّ، له عدة مؤلفات، من أشهرها: «الحديث النبوي ومكانته في الفكر الإسلامي الحديث».
(¬٣) «الحديث النَّبوي ومكانته في الفكر الإسلامي المعاصر» (ص/٣٣٤).
(¬٤) «السنة ودورها في الفقه الجديد» لجمال البنا (ص/١٥٥، ١٧٤).

الصفحة 118