كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

فإنَّ المُعتزلةَ يَحتجُّون بالسُّنةِ في الفقهيَّاتِ (¬١)، وكثيرٍ مِن فروعِ العَقائد مِمَّا لا يتطلَّب القطعَ (¬٢)؛ وأمَّا غُلاة العَقلانيِّين اليوم، فلا يُبالون بها إلَّا قليلًا.
وعامَّة المُعتزلةِ لم يُنكِروا حَدَّ الرَّجمِ (¬٣)، ولا النَّسخَ في القرآن (¬٤)، ولا أنكروا فرضَ الحجابِ، ولا كثيرًا مِمَّا خَرَج به علينا المُتَمَعقِلَةُ مُؤخَّرًا، ولا ارتَموا في أحضانِ الإفرنجِ كما يفعلُ هؤلاء.
والمُعتزلةُ يقولون بحُجِيَّة الإجماعِ (¬٥)، استنادًا إلى عصمةِ الأمَّة والسَّلف بخاصَّة، خلافَ كثيرٍ مِن أدعياءِ العقلانيَّة اليوم، فلا يكادون يَرفعُون بذلك رأسًا في شيءٍ! (¬٦)
فأيُ ظلمٍ للمُعتزلةِ أكبر من أن يُنسَبَ إليهم مثلُ هؤلاءِ المُحْدَثون المُحْدِثون مِن مُراهِقي الفِكرِ وشُذَّاذِ الرَّأي؟!
وبهذا وغيره، يتبيَّن الفارق بين الطَّوائف الكلاميَّة -مِمَّن تقدَّم ذكر بعض مواقِفهم من آحادِ السُّنة- وطوائف العَلمانيِّين:
أنَّ المعتزلة ومَن نَحا منهجهم: إرادةُ تنزيهِ الشَّريعةِ عن مُناقضةِ الضَّرورة العقليَّة واقعٌ لهم بالقصدِ الأوَّل، والإلحاد في النُّصوص والجِنايةُ عليها ليس مُرادًا لهم، بل وَقَع لهم نتيجةً لانحرافِهم في التَّنظير.
وأمَّا الحَداثيُّون من العَلمانيِّين وغيرهم: فالإلحادُ في النُّصوص والجنايةُ عليها، والكُفرُ بمَصدرها، واقعٌ لهم بالقصدِ الأوَّل.
---------------
(¬١) انظر «قبول الأخبار» للبلخي (١/ ١٧)، و «المُعتمد» لأبي الحسين (٢/ ٩٨).
(¬٢) انظر «اليقيني والظني من الأخبار» لحاتم العوني (ص/٣١ حاشية).
(¬٣) كما ذهب إليه رشيد رضا في «مجلة المنار» (٧/ ٦١١)، ود. مصطفى محمود في كتابه «لا رجم للزانية»، وأبو القاسم حاج حمد في «إبستمولوجيا المعرفة الكونية» (ص/٩٤ - ٩٥).
(¬٤) كما فعل أحمد حجازي السَّقا في كتابه «لا نسخ في القرآن».
(¬٥) انظر «قبول الأخبار» للبلخي (١/ ١٧ - ١٨)، و «المُعتمد» لأبي الحسين (٢/ ٣).
(¬٦) كحمَّادي ذويب في كتابه «مراجعة نقدية للإجماع».

الصفحة 123