كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

المَطلب السَّادس
الأصل العَقليُّ النَّاظِم لمُخالِفي أهلِ السُّنةِ
في ردِّ الأحاديث النَّبويَّة
يعتقِد عامَّة مَن يخالف منهج أهلِ السُّنَّة في اعتبار مراتب الأدلَّة، بوجودِ خصومةٍ بين النَّقلِ والعقل، وبوقوع التَّعارضِ بين كثيرٍ من أفرادِ دلائلهما، أو إمكانِ ذلك وجَوازِه؛ ومادام أنَّ تقديمَ النَّقلِ على العقلِ مُستلزم عندهم للدَّوْرِ المُحال، إذْ أنَّ حُجيَّة الخبرِ الشَّرعي لا يُمكن بحالٍ أن تُعلم إلَاّ بإثباتِ الدَّلالة العقليَّة وتصحيحها لها: فإنَّ تقديمَ النَّقل في هذه الحالةِ مستلزمٌ للقدحَ في أَصلِه!
وهذا عينُ ما ادَّعاهُ المُخالفون -كما قدَّمنا- لرَدِّهم كثيرًا مِن المَرويَّات الصِّحاحِ، بدءًا مِن المعتزلة (¬١)، ومرورًا بكثيرٍ من مُتأخِّري الأشاعرة (¬٢)، ثمَّ انتهاءً بالعَلمانيِّين؛ مع أنَّ الدَّور في حقيقة الأَمْرِ مُنتفٍ؛ وهو توهُّمٌ ناشئٌ عن افتعالِ الخصومةِ بين العقلِ والنَّقل، ولا خصومةَ بينهما عند التَّحقيق -كما سيأتي عليه البيان-، وما تقدَّم من لَهَج بعض أرباب المَقالات بمَركزيَّةِ العقلِ، مُجرَّد دعوى لا تحقُّق لها في سوقِ الدَّلائل الشَّرعيَّة ولا حتَّى العقليَّة.
---------------
(¬١) انظر «شرح الأصول الخمسة» للقاضي عبد الجبَّار (ص/٨٨ - ٨٩).
(¬٢) انظر «البرهان» للجويني (١/ ١١١)، و «العواصم من القواصم» لابن العربي (ص/٢٣١).

الصفحة 124