كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

الإنسانيُّ، والَّذي يحُدُّه النُّظَّارُ والمُتكلِّمون بأنَّه:
«عِبارةٌ عن جُمْلَةٍ مِن العلومِ مخْصوصَةٍ، متى حَصَلتْ في المُكلَّفِ صَحَّ منه النَّظرُ، والاستدلالُ، والقيامُ بأداءِ ما كُلِّف منه» (¬١).
هذه المبادئ والعلوم يمكن رَدُّها إلى مَبدأين:
الأول: مَبدأ عدمِ التَّناقض، والَّذي يُراد به امتناعُ أن يوجد الشَّيء وأنْ لا يوجد في نفسِ الوقتِ، ومِن ذاتِ الِجهة.
والمبدأ الآخر: مَبدأ السَّبَبيَّة، ويُقصَد به: أنَّ كلَّ ما يُوجَد، فلا بُدَّ أَن يكون لوُجودِه سَببٌ (¬٢).
فهذان المبدآن يَتَّسِمان بالضَّرورة والكُليَّة.
فأمَّا الضَّرورة فمعناها: امتناعُ تَصوُّر نقيضِها، وامتناعُ البَرهنةِ عليها؛ لكونِها بيِّنةً لا تفتقر إلى بُرهانٍ، فهي أصلُ كلِّ برهانٍ.
وأمَّا الكُليَّة فالمُراد بها: انطباقُها على كلِّ وجودٍ ذاتيٍّ، أو مَوضوعيٍّ (¬٣).
ثمَّ يندرج تحت مفهوم العقل أيضًا: العقلُ الحِسِّي، وأساسُ استنادِه على نَقْلِ الحِسِّ ومُعطياتِه.
الفرع الثَّاني: الدَّليلُ الإجماليُّ على انتفاءِ التَّعارضِ بين العقلِ والنَّقلِ.
مِمَّا مَضى تقصُّده مِن معنى العقلِ، يمتَنِعُ أن يكونَ الدَّليل النَّقليُّ -كتابًا وسُنَّة- مناقضًا للعقلِ بمَفهومَيْه الفِطريِّ والحِسِّي، ووَجهُ ذلك:
أنَّ النَّقلَ الثَّابتَ عند العُقلاء من أهل المِلَّة لا يكون مُنافيًا للعقل الفطريِّ؛
---------------
(¬١) انظر «المُغني في أبواب العدل والتوحيد» للقاضي عبد الجبَّار (٣٧٥/جزء التَّكليف)، و «البرهان» للجويني (١/ ١٩)، و «الواضح» لابن عقيل (١/ ٢٣ - ٢٤)، و «المسودة في أصول الفقه» لآل تيميَّة (ص/٥٥٧).
(¬٢) انظر «العقل والوجود» ليوسف كرم (ص/١٣٨) و «المعرفة في الإسلام» لعبد الله القرني (ص/٣٠٥ - ٣٠٦).
(¬٣) «العقل والوجود» ليوسف كرم (ص/١٤٠).

الصفحة 126