كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

المقطوعِ بها؛ مِمَّا آلَ إلى توسيعِ دائرةِ المُناقضةِ للدَّلائلِ الشَّرعيَّةِ عند المُعاصرين (¬١).
ولهذا كان فتحُ البابِ لنقدِ متون الأحاديثِ بمُجرَّد النَّظر العقليِّ الَّذي لا نعرف له ضابِطًا، والسَّيرُ في ذلك بخُطًى واسعةٍ حسبِ ذوقِ النَّاقِدِ وهَواه، أو حسب استيرابه النَّاشِئ -في الغالبِ- عن قلَّةِ اطِّلاعٍ وقِصرِ نَظرٍ؛ إنَّ فتح هذا الباب لمثلِ هؤلاء «يؤدِّي إلى فوضى لا يعلَمُ إلَّا الله مُنتهاها، وإلى أن تكون السُنَّةُ الصَّحيحة غيرَ مُستقرَّةِ البُنيان، ولا ثابتة الدَّعائم؛ ففُلانٌ يَنفي هذا الحديث، وفلانٌ يُثبته، وفلانٌ يتوقَّف فيه، كلُّ ذلك لأنَّ عقولهم كانت مُختلفةً في الحُكمِ والرَّأي والثَّقافة والعُمق، فكيف يجوز هذا؟!» (¬٢).
والواقع يشهدُ: أنَّ اتِّفاقَ أَهلِ الحديثِ على صِحَّةِ خبَرٍ مُحْكَمٌ لم ينكسِر، إذْ لم نَرَ لهم نِزَاعًا فيه بعد اتِّفاق؛ على ضِدِّ حالِ المُعترِضين على الأخبار المُتلقَّاة بالقَبول، فإِنَّ النِّزاع فيما يَدَّعون أنَّه مِن بدائه العقول قائمٌ، واتِّفاقهم هذا مُنْثَلِمٌ لم تتحقَّق له صورةٌ تُصدِّقه؛ فليس مِن (بديهةِ العقل) نَبْذُ عِصمةِ الاتِّفاق، والتَّعلُّق بأذيالِ الافتراق!
نعم؛ قد يَقَع التَّصريحُ مِن بعضِ المُعتَبرين من أهل العلم بأنَّ مأخذَ رَدِّه للحديثِ الصَّحيحِ على رسمِ أهل الحديثِ مُخالفتُه لدَلالةٍ عقليَّةٍ عنده، لكن رَدُّ الأحاديث بهذا المأخذِ وحدَه -لنُدُورِ وقوعِه مِن المُنتسبين للسُّنةِ والجماعةِ- لا يُمكنُ أن يُعَدَّ قانونًا مَنظومًا مِن كُلِّياتِ مَنهجِ أهلِ السُّنةِ.
ولا يُعرَف الرَّدُّ بهذا المَسلكِ عن أئمَّةِ أهلِ السُّنةِ المتقدِّمين كما عند المُتأخِّرين، والارتكازُ على هذا المَسلكِ أصالةً لا يكون إلَّا غلَطًا محضًا، وعُدولًا عن السَّنَن الأبينِ الَّذي سار عليه جهابذةِ الإسلام.
---------------
(¬١) انظر «دفع دعوى المُعارض العقليِّ» (ص/٤٠).
(¬٢) «السُّنة ومكانتها في التَّشريع الإسلامي» لمصطفى السِّباعي (ص/٢٧٩).

الصفحة 129