كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 3)
يكُن حينئذٍ للإسلامِ بُدٌّ أنْ ينطلقَ في الأرضِ بالبَيانِ وبالحَرَكةِ مُجتَمِعَين، ليحطِمَ هذه الأسوارَ المانعَةَ مِن بَسْطِ الدِّين لِمن وراءها مِن العالَمين، وليزيل الغِشاواتِ الحائلةَ بينهم وبين الذِّكرِ المُبينِ، يَتَغيَّا الإقناع به مِن غير إكراه، والانضمامَ إلى كيانِه المُزهرِ بأنوارِ الوحيِ السَّماويِّة، المُفعمِ بمكارِم الأخلاقِ الإنسانيَّة.
يقول ابن تيميَّة: «أصلُ القتالِ المَشروع هو الجهاد، ومَقصوده: هو أن يكون الدِّين كلُّه لله، وأن تكون كلمةُ الله هي العُليا، فمَن امتنعَ مِن هذا قوتل باتِّفاق المسلمين؛ وأمَّا من لم يكُن مِن أهلِ الممُانعةِ والمُقاتلةِ -كالنِّساء، والصِّبيان، والرَّاهب، والشَّيخ الكبير، والأعمى، والزَّمِن، ونحوهم- فلا يُقتَل عند جمهور العلماء؛ إلَّا أن يُقاتِل بقولِه أو فعلِه، .. وهو الصَّواب، لأنَّ القِتال هو لمِن يُقاتلُنا إذا أَرَدْنا إظهارَ دينِ الله» (¬١).
وبعد؛
فقد ارتأيتُ التَّمهيدَ بهذا التَّأصيلِ المُتقِّدم بين يَدَيْ جَوابي عن معارضةِ حديث البابِ، لأحجِزَ نفوذَ أيِّ شُبهةٍ في الذِّهنِ تبغي نفيَ جهادِ الطَّلَبِ مِن أساسِه! وقصرَ غايةِ القتالِ في الدَّفعِ فقط (¬٢)، ليُفَرَّع عنها إبطالُ حديثِ نافعٍ هذا في الإغارةِ تَبَعًا.
وأحسبُ أنَّ القارئ الكريم قد انجلى له بمجموعِ ما قرَّرناه آنفًا:
أنَّ ما ابتدَرَه النَّبي صلى الله عليه وسلم وأصحابُه مِن غَزْوِ بني المُصطلقِ، مندرجٌ تحت هذا الأصلِ مِن إعلاءِ كلمة الله في الأرضِ وجِهادِ الطَّلب، وأنَّ ما نَتجَ عن ذلك مِن اغتنامٍ وسَبْيٍ، إنَّما سببُه التَّعنُّت في الكُفرِ، والإصرارُ على مُحاربةِ الإسلام، كما سيأتي البَيان عليه.
---------------
(¬١) «مجموع الفتاوى» (٢٨/ ٣٥٤).
(¬٢) وهو ما ذهب إليه بعض المعاصرين: كظافر القاسمي في كتابه «الجهاد والحقوق الدولية العامة» (ص/١٧٢)، وعمر الفرجاني في «أصول العلاقات الدولية في الإسلام» (ص/٧٧)، ووهبة الزحيلي في «آثار الحرب» (ص/٩٣).
الصفحة 1298
1883