كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

يقول (لْيُوبلد فايْس) (¬١) إذ يبوح بنَوَايا قومِه مِن دندنتهم حول سُنَّة الإسلام:
«لقد كان مِن أقوى الأسبابِ الَّتي جَعَلت أحاديثَ النَّبي صلى الله عليه وسلم، وجَعَلَت جميعَ نظامِ السُّنةِ معها لا تجدُ قبولًا في يومِنا هذا: أنَّ السُّنةَ تُعارض الآراءَ الأساسيَّة الَّتي تقوم عليها المَدَنيَّة الغربيَّة مُعارَضةً صريحةً، حتَّى إنَّ أولئك الَّذين خَلَبَتهم لا يجدون مخرجًا مِن مَأزقِهم هذا إلَّا برفضِ السُّنةِ، على أنَّها غيرُ واجبةِ الاتِّباع على المسلمين، ذلك لكونِها قائمةً على أحاديث لا يُوثَق بها أصالةً ..
إنَّ العمَلَ بسُنَّةِ الرَّسول صلى الله عليه وسلم هو عَمَلٌ على حِفظِ كيانِ المسلمين، وعلى تَقَدُّمِهم، وإنَّ تركَ السُّنة هو انحلالٌ عن الإسلام؛ لقد كانت السُّنة الهيكلَ الحديديَّ الَّذي قام عليه صَرحُ الإسلام، وإنَّك إذا أزَلت هيكلَ بناءٍ ما، أفيُدهِشُكَ أن يتَقَوَّض ذلك البناءُ كأنَّه بيتٌ مِن وَرَقٍ؟!» (¬٢).
فكلُّ ما تسمَعه الآن مِن جَلَبةٍ وضوضاءَ حول توثيقِ الأحاديثِ وغَربلةِ مُتونِها، إنَّما غَرضُ أهلها ما ذَكرتُه مِن أساسِ القَضيَّة: انتقاضُ جِدارِ السُّنة، ليَصيرَ حِمَى الأمَّةِ مُستباحًا لكلِّ طامِعٍ في تَذيِيلِها أو إذلالِها؛ وذلك أنَّ أهلَ السُّنةِ هم الأُمَّة، وهم نَقاوَتُها على وجهِ الحقيقة، والسُّنَّة الَّتي يَنتِسبُون إليها هي الاستحكاماتُ الخارجيَّة حول أسوارِ القرآن، فإذا تَمَّ تدميرُها، فدَوْرُ القرآنِ آتٍ بَعدها لا مَحالة! وذاك أمَلُ المُستشرقين والمُستغرِبين، وسائرِ أعداءِ الدِّين.
من شواهد هذه الحقيقة:
ما صدر بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، من مجموع دراساتٍ أمريكيَّة أعَدَّتها مؤسسَّة رَاند للأبحاث والتَّطوير - «العقلُ الاستراتيجيُّ الأمريكي»، و «الذِّراعُ البحثيُّ للبانتاغون»! - من ضمنها تقريرٌ بعنوان: «الإسلام الدِّيمقراطي
---------------
(¬١) مستشرق نمساوي أشهر إسلامه، وتسمَّى بـ (محمد أسد وايس)، وأنشأ بمعاونة (وِيليام بكتول) الإنجليزي -الذي أسلم هو الآخر- مجلة الثقافة الإسلامية في حيدر آباد سنة ١٩٢٧ م، وكتب فيها كثيرا عن أخطاء المُستشرقين، من مؤلفاته: «أصول الفقه الإسلامي»، و «ترجمة صحيح البخاري»، انظر «المستشرقون» (٢/ ٢٩١).
(¬٢) «الإسلام على مفترق الطُّرق» لمحمد أسد (ص/٧٤ - ٧٥، ٨١).

الصفحة 13