كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

وعليه، فإنَّ هذه المَنقولات عن بعضِ أعيانِ أهل العلمِ المُنتسبين للسُّنة، الَّتي تَرِدُ مُشاغِبةً لِما استقرَّ عليه الإجماع، أو دَلَّت عليه النُّصوص، والَّتي يَتقاطع فيها قولُ مَن عُلِم فضلُه في العِلمِ بقولِ أصنافِ المُبتدعةِ والمُستَغرِبين، فيقعُ الاتِّفاق في النَّتيجة أو لوازِمها، ويقع الافتراق في الأصل المَعرفيِّ المُنطَلقِ منه:
تستلزِم مِن النَّاظرِ تحقيقَ نسبةِ القولِ إلى قائِلها أوَّلًا.
ثمَّ بيانَ مأخذِ المُخالفةِ ثانيًا.
ثمَّ بيانَ الاختلافِ في المَقاصدِ عند التَّوافقِ الجُزئيِّ، لدفعِ مَعَرَّةِ التَّوافق الكُلِّي، ثالثًا (¬١).
الفرع الثَّالث: نقد أساسِ القانونِ العَقليِّ الكُلِّي المُجافِي للدَّلائلِ النَّقليَّةِ.
أسَسَّ الفَخْر الرَّازي قانونَه الكُلِّي على فكرة إمكانِ التَّعارضِ بين الدَّلالةِ العقليَّة والظَّاهِرِ الشَّرعِيِّ، ثمَّ جَعلَ الغَلَبةَ والتَّقديمَ عند حصول ذلك للدَّلالةِ العقليَّة، وأقصى به الظَّاهرَ الشَّرعي بنفيِ كونِه مُرادًا للشَّارع، أو بالطَّعن في صدقِ نِسبَتِه إن تَعذَّر عليه تأويلُه.
وفي بيان هذا القانون الكليِّ، يقول:
«اِعلم أنَّ الدَّلائلَ القطعيَّة العقليَّة إذا قامَت على ثبوتِ شيءٍ، ثم وَجدْنا أدلةً نقليَّةً يُشْعِرُ ظاهرُها بخلافِ ذلك، فهناك لا يخلو الحالُ مِن أَحدِ أمورٍ أربعةٍ:
١ - إمَّا أن يُصَدَّق مُقتضى العقل والنَّقل، فيلزم تصديقُ النَّقيضين، وهو مُحال.
٢ - وإمَّا أن يُبطَلَ، فيلزم تكذيبُ النَّقيضين، وهو مُحال.
٣ - وإمَّا أَن تُصدَّق الظَّواهر النَّقليَّة، وتُكذَّب الظَّواهر العقليَّة، وذلك باطلٌ؛ لأنَّه لا يمكننا أن نعرف صِحَّة الظَّواهرِ النَّقليَّة إلا إذا عَرَفنا بالدَّلائلِ العقليَّة إِثباتَ
---------------
(¬١) «دفع دعوى المُعارض العقليِّ «(ص/٨١٥).

الصفحة 130