كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 3)

فعلى هذا، فإنَّ ما استدلَّ به مَن أجاز الإغارةَ على المشركينَ مِن الفقهاءِ -حسب ما وقفتُ عليه مِن كلامهم- أمثلةٌ مَحصورة، أشهرُها:
بعثُ النَّبي صلى الله عليه وسلم في قتلِ ابنِ أبي الحَقيق (¬١) وكعبِ بن الأشرفِ غِرَّةً (¬٢)، وهذا استشهد به الشَّافعي (¬٣).
وغيره مِن الفقهاءِ استشهدوا بإغارتِه صلى الله عليه وسلم على خَيْبرَ صَباحًا (¬٤)، وبأمرهِ صلى الله عليه وسلم بشنِّ الغارةِ على بني المُلَوِّح بالكَدِيد (¬٥)،
وببَعثِه صلى الله عليه وسلم أسامةَ بن زيدٍ رضي الله عنه للإغارةِ على قريةِ أُبْنَى بالشَّام (¬٦).
فهذا أشهرُ ما اسُتدِّل به على جوازِ قتالِ المشركين مِن غير إنذارٍ، إضافةً إلى حديث نافعٍ في بني المصطلق.
ومَن يتفَحَّص هذه الشَّواهد العمليَّة مِن سيرَتِه صلى الله عليه وسلم، يجِد أنَّ الجامعَ بينها ما قرَّرناه مِن الوَصفين الَّذين أشَرتُ إليهما آنفًا، وذلك أنَّ:
سَلام بنَ أبي الحَقيق: كان مِمَّن خانَ عهدَ المسلمين مِن ساداتِ بني النَّضير، وحينَ نَزَلَ خَيْبرًا بعد إجلاءِ قومِه، ألَّبَ أهلَها على حربِ النَّبي صلى الله عليه وسلم،
---------------
(¬١) خبر قتله في البخاري (ك: المغازي، باب قتل أبي رافع عبد الله بن أبي الحقيق، رقم: ٤٠٣٩).
(¬٢) خبر مقتله في البخاري (ك: الرهن، باب: رهن السلاح، رقم: ٢٥١٠)، ومسلم في (ك: الجهاد والسير، باب قتل كعب بن الأشرف طاغوت اليهود، رقم: ١٨٠١).
(¬٣) انظر «الأم» للشافعي (٤/ ٢٥٣).
(¬٤) أخرجه البخاري في (ك: الأذان، باب ما يحقن بالأذان من الدماء، رقم: ٦١٠)، ومسلم في (ك: الجهاد والسير، باب: غزوة خيبر، رقم: ١٣٦٥).
(¬٥) أخرجه أبو داود في (ك: الجهاد، باب: في الأسير يوثق، رقم: ٢٦٧٨)، والحديث وإن كان في إسناده جهالةُ مسلم بن عبد الله، فإنَّ الخبر بذلك مشهور عند المُحدِّثين وأهل السِّير والمغازي، لا يُستراب في ثبوته عندهم، وقد صححه الحاكم في «المستدرك» (٢٧٥١) ووافقه عليه الذهبي.

والكَديد: موضع بين مكة والمدينة، على اثنين وأربعين ميلًا من مكة، انظر «معجم البلدان» (٤/ ٤٤٢).
(¬٦) أخرجه أبو داود في (ك: الجهاد، باب: الحرق في بلاد العدو، رقم: ٢٦١٦)، وابن ماجه في (ك: الجهاد، باب: التحريق بأرض العدو، رقم: ٢٨٤٣)، قال البزار في مسنده (٧/ ٢٠): «هذا الحديث رواه غير صالح، عن الزهري، عن عروة مرسلا، وأسنده صالح، ولا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن أسامة»، وصححه مخرجو «المسند» (٣٦/ ١١٩) بشواهده.

الصفحة 1302