كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

قائلًا: «أنا لا أُناقِشُ الحديثَ مِن حيث سَندُه، وإنَّما أراه يَتَعارض مع العَقلِ، ويُقَدَّم على النَّقلِ عند التَّعارض .. » (¬١).
فالمُتأمِّل في قانونِ الرَّازي ومَن اقتفرَ أثرَه فيه، سيَتَحرَّر لديه ما كُنَّا نبَّهنا عليه سابقًا، مِن أَنَّ مَنشأ الغلَطِ مُتأتٍّ مِن جهةِ اعتقادِهم إِمكانَ حصولِ التَّعارضِ بين الدَّلالتين؛ وهذا الاعتقادُ باطل، تمحَّض للنَّاظر بطلانُه مِن طريقين:
الطَّريق الأول: نَفيُ التَّسليمِ بأصلِ إمكانِ التَّعارضِ:
وهذا المَسلك تقدَّم تقريره إجمالًا (¬٢)؛ ذلك أنَّ الدَّليلَ العقليَّ ما هو إلَّا جزءٌ مِن مفهومِ الدَّليلِ الشَّرعيِ، شاهدٌ على صدقِ البراهين النَّقليَّة، فيمتنع وقوعُ التَّناقض بينهما؛ لأنَّ بُطلان الدَّليلِ مُستلزمٌ بطلانَ المَدلول.
والطَّريق الثَّاني -على تقدير صحَّة الأصل السَّابق-: مَنعُ الحصرِ في التَّقسيمِ الَّذي رَسَمَه الرَّازي في قانونِه:
فيُقال: إنَّ التقديمَ للدَّلالةِ العقليَّة عند التَّعارض لا يجوز أن يكون بالنَّظرِ لِجهةِ ورُودِها؛ بل لجهة اتِّصَافِها بالقَطْعِ! فإنَّ الدَّليل السَّمعي يكون قَطعيًّا أيضًا في مَوارِدَ عِدَّة، كما أنَّ الدَّليل العقلي يكون ظنِّيًا في مَواردَ عدَّة، ومَنْ نَفَى ذَلك فإنَّما يُخبر عن جَهْلِه، لا بما هو ثابتٌ في نفسِ الأمرِ.
فأمَّا ما زعمه الرَّازي مِن حَصْرِ الدَّليل النَّقليَّ في الظَّنيَّة: فإنَّ اتِّفاقَ علماءِ الأمَّة على تَصحيحِ الخَبرِ دافعٌ للاستدراكِ على صِحَّتِه؛ لأنَّ العِصمةَ المُحصَّلة مِن الاتِّفاقِ أقوَى مِمَّا يُظَنُّ أنَّه يقينٌ عقليٌّ؛ وذلك أَنَّ إِجماعَ أهلِ الحديثِ واقعٌ على أمرٍ شَرعيٍّ، فيمتنع أَن يكون إجماعًا على خَطأٍ؛ فكان الصُّدور عن أحكامِهم ونَظرِهِم للأَخبارِ، هو القَدْر المتحتِّمُ لزومُه على منَ ليس مِن أَهلِ هذه الصِّناعة الشَّريفة.
---------------
(¬١) «دراسات في السيرة» لمحمَّد سرور زين العابدين (ص/٣٨).
(¬٢) (ص/؟).

الصفحة 132