كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

المَدنيُّ»، تضمَّن الخُطَّة الاستراتيجيَّة العامَّة الَّتي يَتعيَّن على الإرادة الأمريكيَّة تبنِّيها لأجل إعادة بناء الدِّين الإسلامي بما يَتوافق مع المَنظومة الفكريَّة الغربيَّة؛ خُطَّةً مَبنيَّةً أساسًا على «قطع مَوارد الأصوليِّين» -كما تُسمِّيهم- وإضعاف تأثيرِهم الدِّينيِّ في المُجتمعات الإسلاميَّة، ثمَّ «دعمِ الحَداثيِّين والعَلمانيِّين» مُقابل أولئك.
حوى هذا التَّقرير فصلًا كاملًا عن ضرورة هدم (المنظومة الحديثيَّة!) لدى المُسلمين، أو تطويعِها -على الأقلِّ- لتَتَماها مع الفكر الغربيِّ، ضمانًا لنجاح الخُطَّة المُقترحة لتحديث الإسلام وعَلْمَنته؛ عَنْوَنت هذا الفصلَ كاتبتُه (¬١) بقولِها المُستفزِّ: «حروب الحديث»!
فمِمَّا أثارَني فيه قولُها: «تتركَّز كثير من جهود إصلاح الإسلام حاليًا في الجدل الدَّائر حول أحكام وممارساتٍ معيَّنةٍ من صحيح الإسلام، والَّتي ينتقدها غير المسلمين، لكونها لم تعُد ملائمةً للعصر الحاضر؛ فالقرآن بوصفه الكتاب المُقدَّس -هو بوجه عامٍّ- .. فوق الانتقاد، لكنَّه مع ذلك قد ترك موضوعات كثيرةٍ لم يتناولها البتَّة، أو أشار إليها بشكلٍ مُجمل ..
فلذا دأَبَ أصحابُ الآراء المتعارضة -منذ الأيَّام الأولى لامتداد الإسلام- على صياغة أقوالهم وتفسيراتهم استنادًا للحديث النَّبوي في المقام الأوَّل .. وعِوَضًا عن آراء العلماء، ينبغي لجمهور النَّاس تمحيص أقوال العلماء وادِّعاءاتهم! ومعرفة مدى صحَّة استدلالهم بحديث من الأحاديث؛ .. إنَّه ينبغي تشكيل لجنة «نقض الحديث» [!]، لأجل مَن يطمحون لمجتمعات أكثر تسامحًا، تقوم على المساواة والدِّيمقراطيَّة» (¬٢).
وقبل هذا التَّقرير بعقودٍ مَضَت وَصاةُ مُفكِّري فرنسا مِن بعضِ يَساريِّيها لحكوماتِهم بضرورة نقلِ حربهم للمُسلمين إلى إشعال فتيل حرب فكريَّة بينهم!
---------------
(¬١) أعني بها شيريل بينارد، وهي كاتبة وباحثة نمساويَّة متخصصة في العلوم السياسية، مهتمة بالمشرق الإسلامي، كانت من أهم مُحلِّلي مؤسسة راند حتى عام ٢٠٠٧ م، ترجمتها في آخر كتابها «الإسلام الديمقراطي المدني».
(¬٢) «الإسلام الديمقراطي المدني - سلسلة تقارير مؤسسة راند» لشيريل بينارد (ص/٩٧، ١٠٥ - ١٠٦).

الصفحة 14