كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

وهو أقدمُ مَن علمتُه تَوثَّبَ على «صحيح البخاريِّ» بالتَّعليلِ بشيءٍ مِن التَّفصيلِ، وذلك في بعضِ فصولِ كتابِه «الصِّراط المُستقيم لمُستحقِّي التَّقديم».
فكان مِمَّا قالَه في حقِّ البخاريِّ: «ما رأينا عند العامَّة أكثر صيتًا، ولا أكثر درجةً منه، فكأنَّه جيفةٌ علَت! أو كلفة غشت بدرًا! كتَم الحقَّ فأقصاه، وأظهرَ الباطلَ وأدناه .. وإنَّما شاعَ كتابُه لتظاهرِه بعَداوةِ أهلِ البيتِ، فلَمْ يَروِ حديثَ (الغَدير) مع بُلوغِه حَدَّ الاشتهار» (¬١).
ومِن بواعثِ مُحاولةِ الإماميَّة الطَّعنَ في دواوينِ الحديثِ في هذه المَرحلة:
ما كان انبرَى له تقيُّ الدِّين ابن تيميَّة (ت ٧٢٦ هـ) مِن جَوسِ ديارِهم بثَقيلِ وَطْأتِه على أصولِ مَذهبِهم، وإثخانِه في الطَّعنِ على مُصَنَّفاتِهم، وفضحِ الخَللِ المَهولِ في نَقلِ مَرويَّاتِهم، فنقموا بذلك عليه نقمةً خاصَّةً مع كثرةِ مَن رَدَّ عليهم مِن أهلِ السُّنةِ، بل في علماء السُّنة مَن بلغَ أن كَفرَّهم واستحَلَّ دماءَهم بما لا يُجِيزه ابن تيميَّة فيهم! ومع ذلك كانت أغلب سهامهم موجَّهةً إليه هو بخاصَّة، لعِظَمِ نِكايتِه في مَذهبِهم، وكشفِ مَعايِبِه وتناقُضاتِه للعامَّةِ (¬٢).
فذبًّا عن ذِمار طائفتهم، لم يكُن لمَلَالي الرَّافضة مِن بُدٍّ إلَّا الهجوم على مَرويَّاتِ أهلِ السُّنةِ، مع اعترافِهم المَرير بأنَّ (علمَ الحديث) باصطلاحاتِه وتقعيداتِه، لم يكن معروفًا عند مُتقَدِّمي عُلمائهم، بل مُستعارًا مِن علومِ أهل السُّنةِ (¬٣)، مُستحدَثًا في زَمنِ ابنِ المُطهَّر الحِلِّي (ت ٧٢٦ هـ) (¬٤)، بعد أن اضطرَّه
---------------
(¬١) «الصراط المستقيم» للبياضي (٣/ ٢٢٦)، وانظر كذلك كتاب «الغدير» لعبد الحسين الأميني (٦/ ١٢١، ١٤٥) نقلًا عن «موقف الإماميَّة من أحاديث العقيدة» لفيحان الحربي (ص/٩٧).
(¬٢) انظر «أصول مذهب الشيعة الاثنا عشرية» لناصر القفاري (١/ ٣٤٨).
(¬٣) يقول الحر العاملي في «وسائل الشيعة» (٣٠/ ٢٥٩): «طريقة المتقدمين مباينة لطريقة العامة، والاصطلاح الجديد موافق لاعتقاد العامة واصطلاحهم، بل هو مأخوذ من كتبهم كما هو ظاهر بالتتبع وكما يفهم من كلامهم الشيخ حسن وغيره».
(¬٤) الحسن بن يوسف ابن علي بن المُطهَّر الحلِّي: عالم الشِّيعة وإمامُهم ومُصنفهم، وكان آية في الذكاء، نسبته إلى الحلَّة في العراق، وكان من سُكَّانه، اشتهرت تصانيفه في حياته، ك- «منهاج الكرامة»، و «تبصرة المتعلمين في أحكام الدين»، وانظر «لسان الميزان» للذهبي (٣/ ٢١٥).

الصفحة 144