كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

نقضِ ابن تيميَّة لعُرَى كتابِه «منهاجِ الكَرامة» (¬١)،
لتسويدِ كتابين في الحديث: «استقصاء الاعتبار»، و «مصابيح الأنوار» (¬٢).
فلا غرو إن وجدنا بعدُ من كِبار شيوخِهم مَن يجعل غرض التَّأليف في هذا الفنِّ مُجرَّد التَّوقيّ مِن اتِّخاذِ مَذهبِهم مَسخرةً بين الخصومِ، ودفعًا لتعييرِ أهلِ السُّنة لعُلمائِهم، لا رغبةً أصيلةً في نقدِ مَرويَّاتِ أئمَّتِهم! ترى هذا الإقرار في مثل قول الحرِّ العامِليِّ (ت ١١٠٤ هـ) (¬٣) في سياقِ كلامِه عن أسانيد الإماميَّة: «إنَّه طريقٌ إلى روايةِ أصلِ الثِّقة، الَّذي نُقل الحديث منه، والفائدةُ في ذكره: مُجرَّدُ التَّبركِ باتِّصالِ سلسلةِ المُخاطبةِ اللِّسانيَّة، ودفعِ تعييرِ العامَّةِ للشِّيعة! بأنَّ أحاديثَهم غير مُعنعَنة، بل منقولةٌ مِن أصولِ قدمائهم» (¬٤).
فكان مِن نَتاجِ هذه المَقاصد المذهبيَّة: أنْ اهتمَّ الإماميَّة بعلومِ الرِّوايةِ والرَّجالِ وتقسيماتِ الحديث، مِن بعد القرن الثَّامن بخاصَّة، بدءً من محاولةِ ابنِ المطهَّر في كتابِه «خلاصة الأقوال في معرفةِ الرِّجال»، إذ كان أمثلَ من يُظنُّ فيه
---------------
(¬١) أرجع د. ناصر القفاري في «أصول مذهب الشيعة» (١/ ٣٨٤) جذورَ هذا التُّحوُّل المنهجيِّ في مواقف الشِّيعة الإماميَّة إلى ردود ابن تيميَّة على حَبرِهم ابنِ المطهَّر - كما يظهر ذلك من التَّوافق الزَّمني، حيث انبرى في كتابه العُجاب «منهاج السُّنة النَّبويَّة» إلى كشف زيف استدلالات شيعتِه من مصنَّفات السُّنة وغيرها، مبيِّنًا جهلَهم وكذبَهم في تعلُّقهم بالواهياتِ والموضوعات، ودلَّل على افتقارهم -كما في «منهاج السنة» لابن تيمية (٤/ ١٨) - إلى «أسانيد متَّصلة برجال معروفين، مثل أسانيد أهل السُّنة، حتَّى يُنظر في الإسناد وعدالة الرِّجال، بل إنَّما هي منقولات منقطعة عن طائفة عُرف فيها كثرة الكذب وكثرة التَّناقض في النَّقل، فهل يثق عاقل بذلك؟!» ..
(¬٢) انظر «الأعلام» للزركلي (٢/ ٢٢٧).
(¬٣) محمد بن الحسن بن علي العاملي، الملقب بالحُرِّ: فقيه إمامي، مؤرخ، وُلد في قرية مَشغر من جبل عامل بلبنان، وانتقل إلى العراق، ثمَّ طوس (بخراسان) فتوفي فيها؛ له تصانيف، منها: «الجواهر السنية في الأحاديث القدسية»، و «تفصيل وسائل الشيعة»، انظر الأعلام للزركلي (٦/ ٩٠).
(¬٤) «تفصيل وسائل الشيعة» للعاملي (٣٠/ ٢٥٨).

الصفحة 145