كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

المقدرة على الكلام في هذه العلوم الدَّقيقة؛ مع أنَّ بضاعتَه في الحديثِ ورجالِه مُزجاة! وبعيدة عن ما اختصَّ به من العلومِ العقليَّة والكلاميَّة.
ومع كلِّ هذه الجهود في ترميم صدوعِ المَرويَّات الإماميَّة، وتحصينها من ردود أهل السُّنة، إلَّا أنَّ فريقًا من الطَّائفة المتأخِّرين -خاصَّة الإخباريِّين- أبَوا إلَّا النُّفورعن هذا العلمِ التَّوثيقيِّ، لأجل ما يسبِّبه من حرجٍ شديدٍ للأصولِ النَّقليَّة الَّتي ابتُني عليها المذهبِ بعامَّة؛ فهو مؤذِنٌ بخرابِ مراجِعهم الأثريَّةِ، ومُستلزمٌ عند العَامِليِّ لـ «ضعفِ كلِّ الأحاديث عند التَّحقيق» (¬١)، وردِّ أكثرِ ما ينسبونَه إلى أئمَّةِ أهل البيت زورًا وبُهتانًا.
وشَهِد شاهدٌ مِن علماء النَّقل عندهم على ذلك! محمَّد باقر البَهبُودي (¬٢) (ت ١٤٣٦ هـ) يذكرُ في مُقدِّمة كتابه «صحيح الكافي» -المُسمَّاة «زُبدةَ الكافي» - من حصيلةٍ نقديَّة هادمةٍ لكثيرٍ مِن مُرتكزاتِ المَذهب النَّقليَّة؛ حيث نَقَّح أحاديثَ هذا الأصل العظيم من أصول الإماميَّة، قد تعدَّت ستةَ عشر ألف حديثٍ، فأقرَّ بأنَّه حين طَبَّق عليها قواعد علمِ الرِّوايةِ والرِّجالِ، فأسقَطَ بها أحاديثَ الزَّنادقة والوَضَّاعين وأشباهَهم، لم يبقَ معه مِن الكتابِ إلَّا رُبُعه بالكثير! هذا و «الكافي» أصَحُّ كتابٍ حَديثيٍّ عند الإماميَّة؛ على ما في هذا الرُّبع نفسِه مِن انقطاعٍ، وجهالةِ رُواةٍ، ونحو ذلك مِن عِلل الأسانيد والمتونِ (¬٣).
وإزاء هذه المُعضلات في الكتاب، لم يجِد أبو الحسَن الشَّعْرانيُّ (ت ١٣٩٣ هـ) (¬٤) ما يعتذر به له إلَّا أن يُراهن على سَذاجة قُرَّاءه بادِّعاء
---------------
(¬١) «تفصيل وسائل الشيعة» (ص/٢٥٩).
(¬٢) محمد باقر البهبودي: عالم دين إمامي، وأستاذ جامعي مُعاصر في طهران، مُتخصِّص في علم الحديث، وُلد سنة (١٣٠٨ هـ)، اهتم بمشروع تنقية التراث الإماميِّ، فقام عليه اللَّغط وردود أفعال كبيرة من قِبل كثير من مشايخ الحوزات، من مؤلَّفاته: «صحيح الكافي»، و «معرفة الحديث».
(¬٣) انظر مقدمته لـ «صحيح الكافي» (ص/ي-ج).
(¬٤) أبو الحسن بن محمد بن غلام الشَّعراني الطَّهراني: رجل دين، ومُترجم شيعي إيراني، وُلد (١٣٢٠ هـ)، ثمَّ هاجر إلى النَّجف الاشرف، وأخذ يحضر دروس أبي تراب الخونساري، ثم عاد إلى طهران ليَظلَّ مشغولًا بالتَّدريس والتأليف إلى أن هلك، مِن كتبه: «المدخل إلى عذب المنهل» في أصول افقه.

الصفحة 146