كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

«أنَّ أكثرَ أحاديثِ الأصولِ فيه ولو كانت غير صحيحةِ الإسناد، لكنَّها مُعتمَدةٌ، لاعتبارِ مُتونِها، ومُوافقتِها للعقائدِ الحَقَّة، فلا يُنظر في مثلها إلى الإسناد»! (¬١)
لكن غيره كان أفطنَ في الجواب حين رأى التَّملُّصَ مِن هذا العلمِ بالمرَّةِ، أعني به ابنَ عصفور البَحرانيَّ (ت ١١٨٦ هـ) (¬٢)، حيث توعَّد مَن سَوَّلت له نفسُه من الشِّيعةِ الاعتبارَ بهذا العلمِ أن يسلَخَ عنه دينَ طائفتِه! فقال: «مَنهج التَّصحيح والتَّضعيف الَّذي وَضَعه المُتأخِّرون، إنْ طَّبقوه، لم يبقَ مِن حديثِهم إلَّا القليل .. والواجبُ إمَّا الأخذ بهذه الأخبار كما هو عليه مُتقدِّمو علمائنا الأبرار، أو تحصيل دينٍ غَير هذا الدِّين! وشريعةٍ أخرى غير هذه الشَّريعة!» (¬٣).
وأمَّا المرحلة الثَّالثة من مراحل نقد الإماميَّة لدواوين السُّنة:
ففيها تزيَّلت كتبٌ مُستقلَّةٍ في نقضِ «الصَّحيحين» والطَّعنِ في الشَّيخين، وكان للبخاريِّ وكتابه النَّصيبَ الأوفر من ذلك، لا تكاد تطَّلع على ورقةٍ مِن ردودِ مُتأخِّريهم على الحديث وأهله، إلَّا وجدتها مُغبرَّةً بخوض كاتبها في عِرْضِ البخاريِّ والاستهتارِ بـ «صحيحِه».
وعامَّة طريقتِهم في الرَّد على الكِتابين قائمةٌ على استعارة شُبهاتٍ سَوالِفَ لمُتَقدِّميهم حول بعضِ الصِّحاح، وخلطِ ذلك بشُبَهٍ مُعاصرة من مُستحدثات عقولهم.
وأرى أنَّ أوَّل ظهور لهذه المَرحلة في نقد «الصَّحيحين» في أوراق مُستقلَّةٍ، قد ظهرت في الإماميَّة أواخرَ القرن الثَّالث عشر (١٣ هـ)، بِما سَوَّده محمَّد عليِّ
---------------
(¬١) مقدمة الشَّعراني لكتاب «شرح أصول الكافي» للمازندراني (١/ ١٠) بتصرف يسير.
(¬٢) يوسف بن أحمد بن إبراهيم الدرازي البحراني، من آل عصفور: فقيه إمامي، من أهل البحرين، توفي بكربلاء، من كتبه «أنيس المسافر وجليس الخواطر» و «سلاسل الحديد في تقييد ابن أَبي الحَدِيد»، ألفه ردا علي ابن أبي الحديد في شرح النَّهج، لإثباته خلافة الخلفاء الرَّاشدين، انظر «الأعلام» للزركلي (٨/ ٢١٥).
(¬٣) «لؤلؤة البحرين» ليوسف البحراني (ص/٤٧).

الصفحة 147