كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

بتحويل المعركةِ إلى داخلِ التُّراثِ الإسلاميِّ ذاتِه (¬١)، على أيدي مَن ينَتسِب إلى الإسلامِ نفسِه! فإنَّ شبهاتِ ذوي الجِلدة الواحدة أوقعُ في آذانِ المُخاطَبين مِن كلامِ عَدُوِّهم، وأقربُ إلى تَقبُّلِ أفكارِهم.
اقرأ شاهدَ هذا المَكر الكُبَّار كيف اصبغت به كلماتٌ لـ (عابدٍ الجابريِّ)، يوصي فيها أرباب الحداثة بـ «إنَّ التَّجديدَ لا يُمكن أن يَتِمَّ إلَّا مِن داخلِ تُراثِنا، باستدعائِه واسترجاعِه استرجاعًا مُعاصرًا لنا؛ وفي الوقتِ ذاتِه، بالحفاظِ له على مُعاصَرتِه لنفسِه ولتارِيخيَّته، حتَّى نَتمَكَّن مِن تجاوزِه مع الاحتفاظِ به، وهذا هو التَّجاوز العلميُّ الجَدليُّ!» (¬٢).
فعلى وِفق هذا الأسلوب صارَ الاتِّجاه السَّائد في الدِّراساتِ المُصادِمةِ للنَّصِ الشَّرعيِّ، يعتمِدُ على ذات النَّصِ للتَّخلُّصِ مِنه، يتظاهر تارةً بالشَّفقةِ مِن نسبتِه إلى الشَّارعِ لشناعتِه، وتارةً بلَيِّ معناه لعَصْرَنته؛ فأمَّا المُجاهرة برفضِ التَّحاكم إلى النُّصوصِ صراحةً، وإعلان المُحادَّاةِ التَّامةِ لأحكامِ الشَّريعةِ المُستخلصَةِ منها: فنهجٌ قد ضَعُف حضورُه كثيرًا في الآونةِ الأخيرة، لاستقباحِ العامَّةِ له، ومُصادمته المباشرة لفِطَرِهم.
هي إذن حَربٌ بالوَكالة!
قد نُصِبت فيها مَنابرُ مِن خُشُبِنا، يعتليها رجالٌ مِن جِلدتنا، يخطُبون بِأَلْسِنَتِنا، ويَهرفون في تُراثِنا بلُغةِ فُقهائِنا، هدمًا لدينِنا باسمِ دينِنا؛ وصدقًا قال عنهم ابن تيميَّة: «قد اتَّفق أهل العلم بالأحوال، أنَّ أعظمَ السُّيوف الَّتي سُلَّت على أهل القبلة: مِمَّن ينتسب إليها، وأعظمَ الفساد الَّذي جَرى على المسلمين مِمَّن ينتسب إلى أهل القبلة: إنَّما هو مِن الطَّوائف المُنتسبة إليهم! فهم أشدُّ ضررًا على الدِّين وأهله» (¬٣).
---------------
(¬١) انظر تفصيلَ الخبر في «تجديد الفكر الإسلامي» لجمال سلطان (ص/٣٢).
(¬٢) «مجلة المستقبل العربي»، العدد ٢٧٨، لسنة ٢٠٠٢ م، حاوره عبد الإله بلقزيز.
(¬٣) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢٨/ ٤٧٩).

الصفحة 15