كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

بنحو القطع، واختصَّ البخاريُّ في النَّقلِ عن عمران بن حطَّان، وهو مِن زعماء الخوارج، ومِن فقهائهم ومُتكلِّميهم وخُطبائهم.
ونرى أنَّ إيمان البخاريَّ وتقواه: قد أجازا له أن يَروي عن هؤلاء المَعلومي الحال، ولم يسمحا له مِن أن يَنقُل ولو حديثًا واحدًا عن الإمام الصَّادق عليه السلام!» (¬١).
ومِمَّا تدَّعيه الإماميَّةِ في هذا على البخاريِّ بخاصَّة: تعمُّدَه لاختصارِ ما فيه مَنقبةٌ لعليِّ رضي الله عنه: فنراهم يتتابعون على سردِ بعضِ أمثلةٍ على ذلك، أشهرُها: ما عَلَّقه البخاريُّ في بابِ (لا يُرجَم المَجنون ولا المَجنونة) حيث قال: «وقال عَليٌّ لعمر: أمَا علمتَ أنَّ القلَم رُفِع عن المجنون حتَّى يفيق، وعن الصَّبي حتَّى يُدرك، وعن النَّائم حتَّى يستيقظ؟» (¬٢).
وأصل هذه الرِّوايةِ المُعلَّقة عند البخاريِّ، ما رواه أبو داود عن ابن عبَّاس رضي الله عنه قال: «أُتِي عمر رضي الله عنه بمجنونةٍ قد زَنَت، فاستشارَ فيها أُناسًا، فأمَرَ بها عمر أن تُرجَم، فمَرَّ بها عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: ما شأن هذه؟ قالوا: مَجنونةُ بني فلانٍ زَنَت، فأمَرَ بها عمر أن تُرجَم، فقال: اِرجعوا بها!
ثمَّ أتاه، فقال: يا أمير المؤمنين، أما علِمتَ أنَّ القَلم قد رُفِع عن ثلاثة: عن المجنون حتَّى يبرأ، وعن النَّائم حتَّى يستيقظ، وعن الصَّبي حتَّى يَعقل؟ قال: بلى، قال: فما بالُ هذه تُرجَم؟ قال: لا شيء، قال: فأرْسِلها، قال: فأرسَلَها، قال: فجَعَلَ يُكبِّر» (¬٣).
ويقول (صادقٌ النَّجمي): «إنَّ البخاريَّ أخرجَ هذا الحديثَ في مَوضِعين مِن «صحيحِه»، ولكنَّه حِفظًا على مَقامِ الخليفةِ، وسِترًا على جهلِ الخليفةِ وعدمِ فهمِه، وإزهاقًا للحقِّ، وتحريفًا للحقيقةِ الَّتي تقول بأنَّ عليًّا عليه السلام حَكَم بما يُخالف
---------------
(¬١) «أضواء على الصَّحيحين» (ص/١٠٨ - ١١٣).
(¬٢) أخرجه البخاري (ك: المحاربين من أهل الكفر والردة، باب: يُرجم المجنون ولا المجنونة).
(¬٣) أخرجه أبو داود (ك: الحدود، باب: في المجنون يسرق أو يصيب حدا، برقم: ٤٣٩٩).

الصفحة 156