كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

رأيَ عمر وبعضِ الصَّحابةِ، ولمَّا كان حكمُه عليه السلام مُطابقًا للواقع، وما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم: تَرَى البخاريَّ يَكتفي بذكرِ ذيلِ الحديث، فيذكُر الحديثَ في كِلا الموردين ناقصًا، ويُسقِط منه السَّندَ والصَّدرَ! .. » (¬١).
وأمَّا دعوى الإماميَّةِ تعمُّدَ اختصارِ البخاريِّ لمِا فيه مَثلبةٌ للفاروق رضي الله عنه:
فمِمَّا ذكَرَه (النَّجميُّ) في ذلك للتَّشغيبِ على أمانةِ البخاريِّ في سَوقِ الأحاديث، بعضُ أمثلةٍ مِن تصرُّفاتِه في كتابِه، يزعم فيها حذفَه لِما فيه مَثلبةٌ لأحَدِ الخُلفاءِ الرَّاشدين غير عليٍّ، أشهرُها ثلاثةُ أمثلة مشهورات مِن «صحيحِه»:
فالمثال الأوَّل:
ما أخرجه البخاريُّ عن عبد الرَّحمن بن أَبْزى قال: «جاء رجلٌ إلى عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه، فقال: إنِّي أجنبتُ، فلم أُصِب الماء، فقال عمَّار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أمَا تذكرُ أنَّا كُنَّا في سفرٍ أنا وأنت، فأمَّا أنتَ فلم تُصَلِّ، وأمَّا أنا فتَمعَّكت فصلَّيتُ؟ فذكرتُ للنَّبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبَّي صلى الله عليه وسلم: «إنَّما كان يَكفيك هكذا»، فضرَبَ النَّبي صلى الله عليه وسلم بكفَّيه الأرضَ، ونفَخَ فيهما، ثمَّ مسَحَ بهما وجهَه وكفَّيه» (¬٢).
أورد (النَّجميُّ) بعدها روايةَ مسلمٍ المُتقصَّاة لهذه القِصَّة، وفيها: « .. فقال -أي عمرُ للسَّائلِ- لا تُصَلِّ» (¬٣)، فعَقَّب عليها بقولِه: «فكما تَرى أيَّها القارئ العزيز، أنَّ هذين الحديثين مِن حيث السَّند والمتن سواءٌ، ولا فرقَ بينهما إلَّا في جملة «لا تُصَلِّ»، حيث أسقطَها البخاريُّ، وأثبتَها مسلمٌ»، «ولا يخفى أنَّ فتوى الخليفةِ بتركِ الصَّلاةِ حين الجنابةِ مُخالفةٌ صريحةٌ لنصِّ القرآن، وسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا ممَّا يَدلُّ على جهلِ الخليفةِ بحكمِ التَّيمُم! وعدم إحاطتِه بالأحكامِ الشَّرعيَّة، وغفلتِه عمَّا هو عامَّة الابتلاء؛ ولكنَّ البخاريَّ قامَ بتقطيعِ
---------------
(¬١) «أضواء على الصحيحين» (ص/١١٨ - ١١٩).
(¬٢) أخرجه البخاري (ك: التيمم، باب: التيمم هل ينفخ فيهما، برقم: ٣٣١، وفي باب: التيمم للوجه والكفين، برقم: ٣٣٦ بإسناد السابق مختصرًا).
(¬٣) أخرجه مسلم (ك: الحيض، باب: التيمم، برقم: ٣٦٨).

الصفحة 157