كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

والمثال الثَّالث:
ما أخرجه البخاري مِن حديثِ أنس رضي الله عنه قال: كنَّا عند عمر رضي الله عنه فقال: «نُهِينا عن التَّكلُّف» (¬١).
قال النَّجمي: «هذا الحديثُ الَّذي نَقَله البخاريُّ بهذه الكيفيَّة، أوضحُ دليلٍ وشاهدٍ على التَّدليسِ والتَّقطيعِ، وذلك لأنَّ كلَّ مَن كان لديه أقلُّ معرفةٍ بالحديث ونصوصِه، يعلمُ بمجرَّد رؤيتِه لهذا الحديث، عدمَ تماميَّة الحديث، وعدمَ استقامته ..
فهذا ابنُ حَجرٍ بعد أن ذكَرَ نصَّ الحديثِ مِن رواية أخرى في شرحِه لـ «صحيح البخاري»، قال: إنَّ رجلًا سألَ عمر عن قولِه: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} [عبس: ٣١]، ما الأبُّ؟ فقال عمر: نُهينا عن التَّعمُّقِ والتَّكلف! ..
فلو كان التَّعرُّف واستنباطُ معنى كلمةٍ مِن كلماتِ القرآن، يُعتَبر تعمُّقًا وتكلُّفًا، فعلى هذا لا يجوز الاستفسارُ عن أيَّةِ مسألةٍ دينيَّةٍ أخرى، ولا يَحقُّ التَّفكُّر فيها!» (¬٢).
ثمَّ تَمادى به الغَيُّ، حتَّى نَسَب الفاروق رضي الله عنه إلى الجهلِ بالقرآن، لعدمِ تعقُّلِه معنى كلمةٍ مِن آياتِه، فما كان للبخاريِّ في نَظرِ الرَّافضيِّ إلَّا أن يُسارِعَ إلى حذفِ صدرِ الحديثِ، لمساسِه بعلمِ الخليفة (¬٣).
وبعدُ:
فإنَّ من جسيم خطر هذه الشُّبهات المَسرودة آنفًا، أن أخذت بلُبِّ بعض مَن يُحسب على الحديثِ والاشتغال به! منهم مَن نَزع بها إلى التَّشيُّعِ في بعض مواقفه وأعلنَ بذلك، وسار في ركب الوالغين في دين البخاريِّ، كحال أحمد الغُماريِّ
---------------
(¬١) أخرجه البخاري (ك: الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: ما يكره من كثرة السؤال وتكلُّف ما لا يعنيه، برقم: ٧٢٩٣).
(¬٢) «أضواء على الصحيحين» (ص/١٢١).
(¬٣) «أضواء على الصحيحين» (ص/١٢٢).

الصفحة 159