كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 3)

وهذا مِن روايةِ حمَّاد بن أسامة عنه، وهو مِمَّن سَمِع منه بعد الاختلاط (¬١)، ولذا قال العُقيليُّ في مثل روايتِه هذه: «فيها لِين وضَعف» (¬٢).
وأمَّا ما نَقَله (محمَّد الغَزاليُّ) عن أحمد شاكر مِن استدلالٍ على نسخِ أحاديثِ القطعِ: بحديث صخر بن عبد الله بن حرملة، حين سمع عمر بن عبد العزيز يقول عن أنسٍ رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى بالنَّاس، فمرَّ بين أيديهم حمار، فقال عياش بن أبي ربيعة: سبحان الله! .. وأنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال آخرَه: «لا يقطعُ الصَّلاة شيء»:
فهذا الحديث لم يُصِب شاكرٌ في تصحيحِه! حيث انفردَ به صخر بن عبد الله المدلجي، لم يَروِ عنه إلَّا بكر بن مُضر، ولم يُوثَّق بتوثيقٍ مُعتَبر (¬٣)، فمثلُه لا يُحتجُّ به إذا انفرد، فناسبَ أن يقول ابن حجرٍ فيه: «مَقبول» (¬٤): أي حيث تُوبِع، ولم يُتابع هو على روايتِه هذه.
فضلًا عن أنَّ حديثَ هذا الرَّاوي مضطَرِبٌ في إسنادِه، وقد صَوَّب الدَّارقطنيُّ (¬٥) والإشبِيليُّ (¬٦) إرسالَه عن عمر بن عبد العزيز.
ومُحصَّل القول في هذه الأخبار النَّافية لقطعِ الصَّلاة، قولُ ابن عبد الهادي: «إنَّها كلَّها ضِعاف» (¬٧)، وقول ابن رجب بعده: «لا يثبتُ منها شيءٌ» (¬٨).
أمَّا القسم الثَّاني من العلماء -وهم الأغلَب-: فقد سَلكوا في أحاديث القطعِ مَسلكَ التَّأويل، مُستَنِدين إلى أنَّ «الأحاديثَ إذا تعارَضت، ووُجِدَ في
---------------
(¬١) «طرح التَّثريب» (٢/ ٣٨٩).
(¬٢) «الضُّعفاء» للعقيلي (٢/ ٧٥).
(¬٣) لم يذكره إلَّا ابن حبَّان في كتابه «الثقات» (٦/ ٧٤٣).
(¬٤) «التقريب» (رقم: ٢٩٠٧).
(¬٥) «العِلل» له (١٢/ ١١٦).
(¬٦) «الأحكام الوسطى» لعبد الحق الإشبيلي (١/ ٣٤٨).
(¬٧) «تنقيح التَّحقيق» لابن عبد الهادي (٢/ ٣١٩).
(¬٨) «فتح الباري» لابن رجب (٤/ ١١٤).

الصفحة 1678