كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 3)
فطالما أنْ لا ضرورةَ تقصُر سالمًا على اِلتقامِ الثَّديِ، والحالُ أنَّ بلوغَ لبَنِها إلى جوفِه كافٍ لتحقيقِ التَّحريم، فإنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم «لم يُرِد منها: ضَعِي ثديَكِ في فِيه، كما يُفعل بالأطفال، ولكن أرادَ: اِحْلِبي له مِن لبنِك شيئًا، ثمَّ ادفعيه إليه ليشربه؛ ليس يجوز غير هذا» (¬١).
وفي التَّأويل لهذا الحديثِ اعتبارٌ لـ «قاعدةِ تحريمِ الاطِّلاعِ على العَورة؛ فإنَّه لا يُختلف في أنَّ ثَدي الحُرَّة عورة، وأنَّه لا يجوز الاطِّلاع عليه، لا يُقال: يُمكِن أن يَرتضع ولا يطَّلِعَ؛ لأنَّا نقول أنَّ نفسَ التقامِ حَلَمَةَ الثَّدي بالفَمِ اطِّلاع، فلا يجوز» (¬٢).
فإلى هذا مَذهبُ جمهورِ الأئمَّة (¬٣)، بل نقلَ ابن عبد البرِّ الإجماعَ عليه (¬٤).
وبه تنمحي الإشكالات عن واقعةِ سهلة وسالم، بتَسْهيلٍ مِن الله وتسليمٍ.
---------------
(¬١) «تأويل مختلف الحديث» لابن قتيبة (ص/٤٣٥).
(¬٢) «المُفهم» (١٣/ ٤٢)، وانظر «الاستذكار» (٦/ ٢٥٥).
(¬٣) ولم يخالف إلَّا اللَّيث وأهل الظَّاهر، فقالوا: إنَّ الرضاعة المُحرِّمة إنَّما تكون بالتِقام الثَّدي ومصِّ اللَّبن منهِ، انظر «المحلَّى» (١٠/ ١٨٥ - ١٨٦).
(¬٤) في «الاستذكار» (٦/ ٢٥٥).