كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

بأنَّ في الحديثِ بمتنِه الثَّابتِ الأوَّلِ دلالةً على أنَّ عَليًّا رضي الله عنه هو الخليفةُ بعد النَّبي صلى الله عليه وسلم: فذاك مِن الجهلِ المَقطوعِ بخطأِ صاحبِه؛ وذلك:
أنَّ الوَلايةَ -بالفتح-: ضدُّ العَداوة، والاسمُ منها: مَوْلى ووَليٌّ.
والوِلاية -بكسر الواو- هي الإِمارة، والاسمُ منها: والي ومُتَولِّي.
والمُوالاة ضِدُّ المُعاداة (¬١)، وهذا حكمٌ ثابتٌ لكلِّ مؤمنٍ (¬٢).
فالنَّبي صلى الله عليه وسلم على هذا لم يُرِدْ بالحديثِ الخلافةَ بعدَه قطعًا، فليس في اللَّفظِ ما يَدلُّ على ذلك، ولا شكَّ أنَّ أمرَ الاستخلافِ والقيامِ على النِّاس بعده عظيمٌ، فلو كان يريد ذلك المعنى المُدَّعى «لأفصحَ لهم بذلك، كما أفصحَ لهم بالصَّلاة والزَّكاة ونحوها، .. فإنَّ أنصحَ النَّاسِ كان للمُسلمين رسولُ الله صلى الله عليه وسلم» (¬٣).
وهذا إلزام أقرَّ بصحَّته النُّوري الطَّبرسي (¬٤) -أحَدِ أساطينِ الإماميَّة المُتأخِّرين- كما تراه في قوله: «لم يُصرِّح النَّبي صلى الله عليه وسلم لعليٍّ عليه السلام بالخلافةِ بعدَه بلا فصلٍ في يومِ الغدير، وأشارَ إليها بكلامٍ مُجمَلٍ مُشتركٍ، في معانٍ يحتاجُ تَعيينُ ما المقصود منها إلى قرائن» (¬٥).
ثمَّ إنَّ الحديثَ بهذا اللَّفظ -وإن كان متضمِّنًا لإبطال قول أعداء عليٍّ رضي الله عنه فيه مِن الخوارج والنَّواصب- لا يستلزم أن لا يكون للمؤمنين مَولًى غيرُه (¬٦)! كلُّ ما في الأمرِ، أنَّه صلى الله عليه وسلم «لمَّا بَعَثه إلى اليَمن، كثُرَت الشَّكاة عنه رضي الله عنه، وأظهروا
---------------
(¬١) انظر «التَّقفِية» للبندنيجي (ص/٧٠٨)، و «الإبانة في اللُّغة» لسلمة بن مسلم (٤/ ٥٤٧).
(¬٢) انظر تقرير هذا المعنى من الحديث «شرح مشكل الآثار» للطحاوي (٥/ ٢٥).
(¬٣) كان هذا جوابَ الحسن بن الحسن بن علي رضي الله عنه لمن سأله عن دلالة هذا الحديث، كما في «الاعتقاد» للبيهقي (ص/٣٥٥)، و «تاريخ دمشق» لابن عساكر (١٣/ ٧٠).
(¬٤) حسين بن محمد تقي النوري المازندراني الطَّبرسي: فقيه إمامي، ولد في إحدى قُرى طبرستان، وتوفي بالكوفة، من كتبه: «دار السلام» في تفسير الأحلام، و «مستدرك الوسائل» في الفقه، وله كتب أخرى ورسائل بالفارسيَّة، طُبع أكثرها، انظر «الأعلام» للزركلي (٢/ ٢٥٧).
(¬٥) في كتابه «فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب» (ص/٢٠٥ - ٢٠٦)، نقلًا عن كتاب «وقفات مع كتاب المراجعات» لـ د. عثمان الخميس (ص/٦٩).
(¬٦) «منهاج السنة» (٤/ ٨٦).

الصفحة 171