كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 1)

قلتُ: استبعِدُ هذا التَّوجيه مِن الذَّهبي، فإنَّ القِصَّة ظاهرٌ مِنها استنكارُ الحاكمِ للمتن نفسِه، وحُقَّ له ذلك، فهو مُناقضٌ لِما استقَرَّ عليه عمومِ المُسلمين مِن أفضليَّة أبي بكر وعمر على سائرِ الصَّحابةِ رضي الله عنهم، ومثلُ هذا الاستنكارِ لا يندفِعُ عادةً بمُجرَّدِ اجتهادِ نَظرٍ في طُرقِ الحديث.
والَّذي أميلُ إليه في اختلاف موقف الحاكم من هذا الحديث: أنَّ الحاكِم كان أدخلَه بادئَ الأمرِ في كتابِه مُسودَّة، مِن غيرِ تحقيقٍ كافٍ في طُرُقِه، ولا تَأمُّلِ شافٍ في مَتْنِه، فلمَّا تَبَيَّنتْ له عِلَّتُه بعدُ، عَزَم على إخراجِه مِن كتابِه حينَ تمام تبيِضِه، لكنَّ المَنيَّةَ أعجَلَته قبل أن يبلُغَ به.
يقول ابن حجر: «إنمَّا وَقَع للحاكم التَّساهل لأنَّه سوَّد الكتاب لينقِّحَه، فأعجلته المنيَّة، قال: وقد وجدتُ في قريب نصف الجزء الثَّاني من تجزئة ستَّة من المستدرك: إلى هنا انتهى إملاء الحاكم، قال: والَّتساهل في القدر المُمْلى قليل جدًّا بالنِّسبة إلى ما بعده» (¬١)، والله أعلم.
فبهذا يتبيَّن سقوط الحديث متنًا وإسنادًا، ولأجلِها أعرضَ الشَّيخانِ عن إخراجِه في «صحيحَيهما».
ثالثًا: وأمَّا حديثُ أَمْرِه صلى الله عليه وسلم بسَدِّ الأبوابِ إلى المَسجدِ إلَّا بابَ عليٍّ رضي الله عنه:
فهذا الحديث قد اختلفَ العلماء في حقيقته:
فذهب إلى تضعيفه: أحمد (¬٢)، والتِّرمذي (¬٣).
وكَذَّبه ابنُ الجَوزيِّ فقال: «هذه الأحاديث كلُّها مِن وَضعِ الرَّافضة، قابَلوا بها الحديثَ المُتَّفَقَ على صِحَّتِه في «سُدُّوا الأبوابَ إلَّا بابَ أبي بكرٍ» (¬٤).
---------------
(¬١) من كلام ابن حجر، نقلَه عنه السيوطي في «تدريب الراوي» (١/ ١١٣)، بتصرفٍ يسير.
(¬٢) «شرح علل التِّرمذي» لابن رجب (ص/٣٦٤)، و «بحر الدَّم» لابن المبرد (ص/١٧٢).
(¬٣) حيث قال في «جامعه» (٥/ ٦٤١): «هذا حديث غريب، لا نعرفه عن شعبة بهذا الإسناد إلَّا من هذا الوجه».
(¬٤) «الموضوعات» لابن الجوزي (١/ ٣٦٦).

الصفحة 175