كتاب المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين (اسم الجزء: 3)

في مُقابل ذلك، وجدنا بعض المُعاصرين مِن أهلِ السُّنةِ يقدمون على التَّدليلِ لهذا التَّوجيه لكلامِ معاوية ببعض الآثارِ الضَّعيفة يمدح فيها معاوية عِلمِ كعبٍ! إمعانًا في صرفِ تأويلِ رشيدٍ لكلامِ معاويةَ! وهذا ممَّا لا ينبغي الوقوع فيه (¬١).
وأمَّا الاستدلال الثَّاني لرشيد رضا:
فدعواه بأنَّ ما جاء عن كعبٍ مِن الإسرائيليَّات لا يوجَد في نُسَخ التَّوراةِ الَّتي بين أيدينا، فيقول في ذلك: « .. مَن كان مُتقنًا للكذبِ في ذلك -أي عن أهلِ الكتابِ- يتَعذَّر أو يتَعسَّر العثور على كذبِه في ذلك العصرِ، إذْ لم تكُن كتبُ أهلِ الكتابِ مُنتشِرَةً في زمانِهم بين المسلمين كزمانِنا هذا، فإنَّ توراة اليهودِ بين الأيدي، ونحن نَرى فيما رواه كعب ووَهبٌ عنها ما لا وجود له فيها البتَّة على كثرتِه! وهي التَّوراة الَّتي كانت عندهم في عصرهما، فإنَّ ما وَقَع مِن التَّحريفِ والنُّقصانِ منها قد كان قبل الإسلام، وأمَّا بعده فجُلُّ ما وَقع من التَّحريف هو المَعنويُّ، بحملِ اللَّفظِ على غير ما وُضِع له، واختلاف التَّرجمة.
ولا يُعقَل أن تكون هذه القَصص الطَّويلة الَّتي نراها في التَّفسيرِ والتَّاريخِ مَرويَّةً عن التَّوراةِ، قد حُذفت منها بعد موتِ كعبٍ ووهبٍ وغيرهما مِن رُواتها، فهي مِن الأكاذيب الَّتي لم يَكُن يَتيسَّر للصَّحابة والتَّابعين ولرجالِ الجرح والتَّعديل الأوَّلين العثور عليها، وكذا علماءُ القرونِ الوسطى مِن المُحدِّثين وغيرهم، إلَّا مَن عُني عناية خاصَّة بالاطِّلاعِ على كُتبِ العهدِ العتيقِ والعهدِ الجديدِ عند أهلِ الكتابِ، وعلى التَّواريخ المُفصِّلة لأخبارهم، وقليلٌ ما هم» (¬٢).
---------------
(¬١) كما تراه عند حمود التويجري في «الرد القويم على المجرم الأثيم» (ص/٢٢٦)، ومحمد رمضاني في «آراء محمد رشيد رضا في قضايا السنة النبوية» (ص/٣٥٨ - ٣٥٩) وغيرهم عند إيرادهم لأثر عن معاوية يقول فيه: «ألا إنَّ كعب الأحبار أحد العلماء، إنْ كان عنده لعلم كالبحار، وإن كنَّا فيه لمفرِّطين»، فهذا أخرجه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (٢/ ٣٥٨)، بإسناد منقطع.
(¬٢) «مجلة المنار» (٢٦/ ٧٣).

الصفحة 1758